الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وإن كان بينهما ستة فبطنان ) ش يعني أنه إذا كان بين الولدين ستة فليسا بتوأمين بل هما بطنان قال في المدونة ، وإن وضعت الثاني لستة أشهر ، فهما بطنان فإن أقر بالأول ، ونفى الثاني ، وقال لم أطأ بعد ولادة الأول لاعن ، ونفى الثاني إذ هما بطنان فإن قال لم أطأها من بعد ما ولدت الأول ، وهذا الثاني ولدي ، فإنه يلزمه ; لأن الولد للفراش ، وسئل النساء فإن قلن إن الحمل يتأخر هكذا لم يحد ، وكان بطنا واحدا ، وإن قلن لا يتأخر حد ، ولزمه الولد ، وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله

                                                                                                                            ص ( إلا أنه قال : إن أقر بالثاني ، وقال لم أطأ بعد الأول سئل النساء فإن قلن إنه يتأخر هكذا لم يحد )

                                                                                                                            ش : يعني أن مالكا رحمه الله بعد أن قال : إنهما إذا كان بينهما ستة أشهر فهما بطنان ، وفرع على ذلك الفرع الأول في المدونة الذي لم يذكره المصنف ، وهو ما إذا أقر بالأول ، ونفى الثاني ، وقال : لم أطأ بعد ولادة الأول قال : إنه يلاعن الثاني ذكر هذا الفرع الثاني الذي ذكره المصنف أعني إذا أقر بالثاني يريد مع إقراره بالأول ، وقال : لم أطأ بعد الأول فقال إنه يسأل النساء فإن قلن إن الحمل قد يتأخر هكذا لم يحد ، وإن قلن لا يتأخر حد ، وإنما لم يحد إذا قلن يتأخر لعدم نفيه إياه بقوله لم أطأها بعد وضع الأول لجواز أن يكون ناشئا عن الوطء الذي كان عنه الأول عملا بقولهم لا يتأخر ، وإذا قلن لا يتأخر فيحد لنفيه إياه بقوله لم أطأها بعد وضع الأول ، والحال أن بينهما ستة أشهر ، وانضم إلى ذلك قول النساء إن الحمل لا يتأخر هكذا ، وهذا كالمخالف لما قاله أولا ، وإلى هذا الاستشكال أشار المصنف بأداة الاستثناء كابن الحاجب ، ولم يذكر الفرع الأول من كلام المدونة لجريه على الأصل المذكور أعني كونهما بطنين ، ووجه الاستشكال أنه جزم أولا بأنه إذا كان بينهما ستة أشهر ، فهما بطنان ، ثم قال ثانيا يسأل النساء فيقال إن كانت الستة كافية في الدلالة على كونهما بطنين كما قال في الفرع الأول فلا يسأل النساء في الفرع الثاني ، ويحد ; لأنه قد نفاه بقوله لم أطأ بعد الأول ، وأكذب نفسه باستلحاقه ، وإن لم تكن كافية فيسئل النساء أيضا في الفرع الأول فإن قلن إنه يتأخر هكذا حد ، ولم يلاعن كما لو وضعت لأقل من ستة ، وأجاب ابن عرفة بأن ذلك كاف حيث لا يعارض أصلا [ ص: 140 ] ولا يكفي حيث يعارض أصلا ، وهو في المسألة الثانية يعارض أصلا ، وهو درء الحد بالشبهة انتهى . وإلى هذا الاستشكال ، والجواب أشار الشيخ أبو الحسن الصغير بأنه قال جزم أولا بجعلهما بطنين ، ثم قال يسأل النساء ، وإنما قال يسأل النساء ، ولم يجزم كالتي قبلها لأجل حد الزوج حد القذف ; لأن الحدود تدرأ بالشبهات .

                                                                                                                            انتهى ( تنبيه ) هذا الذي فرضناه في تقرير المسألة من أنه أقر بالأول أيضا هو الذي يفهم من لفظ الأم ، ونصه قلت فإن ، وضعت الثاني لستة أشهر أتجعله بطنا واحدا قال بل هما بطنان قلت فإن قال لم أجامعها بعد ما ولدت الولد الأول قال يلاعنها ، وينفي الثاني قلت فإن قال : لم أجامعها بعد ما ولدت الولد الأول ، ولكن هذا الثاني ابني قال : يلزمه الولد ، ويسأل النساء فإن كان الحمل يتأخر هكذا لم أر أن يجلد ، وإن قلن لا يتأخر إلى مثل هذا جلدته الحد .

                                                                                                                            وقد سمعت غير واحد يذكر أن الحمل يكون واحدا ، ويكون بين وضعهما الأشهر انتهى وصرح بذلك الشيخ أبو محمد في اختصاره للمدونة فقال : ولو أقر بالثاني محمد وبالأول ، وقال : لم أطأها بعد الأول لحق الثاني ، ويسأل النساء إلخ ، وكذلك نقله اللخمي فقال : وإن أقر بهما جميعا ، وقال : لم أجامعها بعد ما ولدت الأول يسأل النساء إلى آخره ، وما ذكرناه في ، وجه الاستشكال ، وفي جوابه هو الذي قاله ابن عرفة ، وهو المفهوم من كلام أبي الحسن ، وهو الظاهر كما تقدم ، وحمل ابن عبد السلام المسألة على أنه إنما أقر بالثاني بعد أن نفى الأول ، ولاعن فيه ، وقرر الإشكال في كلام ابن الحاجب المدلول عليه بالاستثناء بأنه إذا قال النساء يتأخر كان كما لو ولدا في وقت واحد أو كان بينهما أقل من ستة أشهر .

                                                                                                                            وقد قال في هاتين الصورتين إن أقر بأحدهما ، ونفى الآخر حد ، ولحقا به فكذا يجب الحكم في إشراكهما ، وقبله في التوضيح وكذا الشارح زاد في التوضيح ، وكأنه إنما أسقط الحد ; لأن قول النساء لا يحصل به القطع فكان ذلك شبهة تسقط الحد ، ثم قال : ويرد هذا أنه لو كان كذلك لزم أيضا سقوط الحد إذا قلنا إنه لا يتأخر ; لأن قولهن لا يحصل القطع ، وقد نص في المدونة على وجوب الحد في ذلك انتهى والظاهر في المسألة التي فرضها ابن عبد السلام أنه إذا نفى الأول ولاعن فيه ، وأقر بالثاني ، وقال : لم أطأ بعد الأول أنه يحد ، ولا يسأل النساء ; لأن الولد الثاني قد أقر به بعد أن نفاه فيحد على كل حال ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية