nindex.php?page=treesubj&link=25987_28752_30526_31927_31931_32416_32417_32419_32421_32423_32424_32426_32445_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا nindex.php?page=treesubj&link=32006_32416_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا nindex.php?page=treesubj&link=19244_30531_30539_31931_32424_32426_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا nindex.php?page=treesubj&link=31931_31979_32424_34324_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=156وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما nindex.php?page=treesubj&link=18791_31978_32024_32410_32426_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=157وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا nindex.php?page=treesubj&link=28723_29676_34001_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=158بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما nindex.php?page=treesubj&link=30284_34165_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=159وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا nindex.php?page=treesubj&link=30525_30531_32424_32425_34330_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا nindex.php?page=treesubj&link=19257_30437_30532_30539_31931_32421_34361_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=161وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما [ ص: 379 ] (153-158) هذا السؤال الصادر من أهل الكتاب للرسول
محمد صلى الله عليه وسلم على وجه العناد والاقتراح، وجعلهم هذا السؤال يتوقف عليه تصديقهم أو تكذيبهم. وهو أنهم سألوه أن ينزل عليهم القرآن جملة واحدة كما نزلت التوراة والإنجيل، وهذا غاية الظلم منهم والجهل، فإن الرسول بشر عبد مدبر، ليس في يده من الأمر شيء، بل الأمر كله لله، وهو الذي يرسل وينزل ما يشاء على عباده كما قال تعالى عن الرسول، لما ذكر الآيات التي فيها اقتراح المشركين على
محمد صلى الله عليه وسلم،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=93قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا .
وكذلك جعلهم الفارق بين الحق والباطل مجرد إنزال الكتاب جملة أو مفرقا، مجرد دعوى لا دليل عليها ولا مناسبة، بل ولا شبهة، فمن أين يوجد في نبوة أحد من الأنبياء أن الرسول الذي يأتيكم بكتاب نزل مفرقا فلا تؤمنوا به ولا تصدقوه؟
بل نزول هذا القرآن مفرقا بحسب الأحوال مما يدل على عظمته واعتناء الله بمن أنزل عليه، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=32وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=33ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا .
فلما ذكر اعتراضهم الفاسد أخبر أنه ليس بغريب من أمرهم، بل سبق لهم من المقدمات القبيحة ما هو أعظم مما سلكوه مع الرسول الذي يزعمون أنهم آمنوا به. من سؤالهم له رؤية الله عيانا، واتخاذهم العجل إلها يعبدونه، من بعد ما رأوا من الآيات بأبصارهم ما لم يره غيرهم.
ومن امتناعهم من قبول أحكام كتابهم وهو التوراة، حتى رفع الطور من فوق رءوسهم وهددوا أنهم إن لم يؤمنوا أسقط عليهم، فقبلوا ذلك على وجه الإغماض والإيمان الشبيه بالإيمان الضروري.
ومن امتناعهم من دخول أبواب القرية التي أمروا بدخولها سجدا مستغفرين، فخالفوا القول والفعل. ومن اعتداء من اعتدى منهم في السبت فعاقبهم الله تلك العقوبة الشنيعة.
وبأخذ الميثاق الغليظ عليهم فنبذوه وراء ظهورهم.
وكفروا بآيات الله وقتلوا رسله بغير حق. ومن قولهم: إنهم قتلوا المسيح عيسى وصلبوه، والحال أنهم ما قتلوه وما صلبوه بل شبه لهم غيره، فقتلوا غيره وصلبوه.
وادعائهم أن قلوبهم غلف لا تفقه
[ ص: 380 ] ما تقول لهم ولا تفهمه، وبصدهم الناس عن سبيل الله، فصدوهم عن الحق، ودعوهم إلى ما هم عليه من الضلال والغي. وبأخذهم السحت والربا مع نهي الله لهم عنه والتشديد فيه.
فالذين فعلوا هذه الأفاعيل لا يستنكر عليهم أن يسألوا الرسول
محمدا أن ينزل عليهم كتابا من السماء، وهذه الطريقة من أحسن الطرق لمحاجة الخصم المبطل، وهو أنه إذا صدر منه من الاعتراض الباطل ما جعله شبهة له ولغيره في رد الحق أن يبين من حاله الخبيثة وأفعاله الشنيعة ما هو من أقبح ما صدر منه، ليعلم كل أحد أن هذا الاعتراض من ذلك الوادي الخسيس، وأن له مقدمات يجعل هذا معها.
وكذلك كل اعتراض يعترضون به على نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم يمكن أن يقابل بمثله أو ما هو أقوى منه في نبوة من يدعون إيمانهم به ليكتفى بذلك شرهم وينقمع باطلهم، وكل حجة سلكوها في تقريرهم لنبوة من آمنوا به فإنها ونظيرها وما هو أقوى منها، دالة ومقررة لنبوة
محمد صلى الله عليه وسلم.
ولما كان المراد من تعديد ما عدد الله من قبائحهم هذه المقابلة لم يبسطها في هذا الموضع، بل أشار إليها، وأحال على مواضعها وقد بسطها في غير هذا الموضع في المحل اللائق ببسطها.
(159) وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=159وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته يحتمل أن الضمير هنا في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=159قبل موته يعود إلى أهل الكتاب، فيكون على هذا كل كتابي يحضره الموت ويعاين الأمر حقيقة، فإنه يؤمن
بعيسى عليه السلام ولكنه إيمان لا ينفع، إيمان اضطرار، فيكون مضمون هذا التهديد لهم والوعيد، وأن لا يستمروا على هذه الحال التي سيندمون عليها قبل مماتهم، فكيف يكون حالهم يوم حشرهم وقيامهم؟
ويحتمل أن الضمير في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=159قبل موته راجع إلى
عيسى عليه السلام، فيكون المعنى: وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن
بالمسيح عليه السلام قبل موت
المسيح، وذلك يكون عند اقتراب الساعة وظهور علاماتها الكبار.
فإنه تكاثرت الأحاديث الصحيحة في نزوله عليه السلام في آخر هذه الأمة. يقتل الدجال، ويضع الجزية، ويؤمن به أهل الكتاب مع المؤمنين
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=159ويوم القيامة يكون
[ ص: 381 ] عيسى عليهم شهيدا، يشهد عليهم بأعمالهم، وهل هي موافقة لشرع الله أم لا؟
وحينئذ لا يشهد إلا ببطلان كل ما هم عليه، مما هو مخالف لشريعة القرآن ولما دعاهم إليه
محمد صلى الله عليه وسلم، علمنا بذلك، لعلمنا بكمال عدالة
المسيح عليه السلام وصدقه، وأنه لا يشهد إلا بالحق، إلا أن ما جاء به
محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق وما عداه فهو ضلال وباطل.
(160-161) ثم أخبر تعالى أنه حرم على أهل الكتاب كثيرا من الطيبات التي كانت حلالا عليهم، وهذا تحريم عقوبة بسبب ظلمهم واعتدائهم، وصدهم الناس عن سبيل الله، ومنعهم إياهم من الهدى، وبأخذهم الربا وقد نهوا عنه، فمنعوا المحتاجين ممن يبايعونه عن العدل، فعاقبهم الله من جنس فعلهم فمنعهم من كثير من الطيبات التي كانوا بصدد حلها، لكونها طيبة، وأما التحريم الذي على هذه الأمة فإنه تحريم تنزيه لهم عن الخبائث التي تضرهم في دينهم ودنياهم.
nindex.php?page=treesubj&link=25987_28752_30526_31927_31931_32416_32417_32419_32421_32423_32424_32426_32445_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا nindex.php?page=treesubj&link=32006_32416_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا nindex.php?page=treesubj&link=19244_30531_30539_31931_32424_32426_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا nindex.php?page=treesubj&link=31931_31979_32424_34324_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=156وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا nindex.php?page=treesubj&link=18791_31978_32024_32410_32426_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=157وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا nindex.php?page=treesubj&link=28723_29676_34001_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=158بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا nindex.php?page=treesubj&link=30284_34165_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=159وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا nindex.php?page=treesubj&link=30525_30531_32424_32425_34330_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا nindex.php?page=treesubj&link=19257_30437_30532_30539_31931_32421_34361_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=161وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [ ص: 379 ] (153-158) هَذَا السُّؤَالُ الصَّادِرُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِلرَّسُولِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِ الْعِنَادِ وَالِاقْتِرَاحِ، وَجِعْلِهِمْ هَذَا السُّؤَالَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَصْدِيقُهُمْ أَوْ تَكْذِيبُهُمْ. وَهُوَ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَمَا نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ، وَهَذَا غَايَةُ الظُّلْمِ مِنْهُمْ وَالْجَهْلُ، فَإِنَّ الرَّسُولَ بَشَرٌ عَبْدٌ مُدَبَّرٌ، لَيْسَ فِي يَدِهِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، بَلِ الْأَمْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ وَيُنَزِّلُ مَا يَشَاءُ عَلَى عِبَادِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنِ الرَّسُولِ، لَمَّا ذَكَرَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا اقْتِرَاحُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=93قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا .
وَكَذَلِكَ جِعْلُهُمُ الْفَارِقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ مُجَرَّدَ إِنْزَالِ الْكِتَابِ جُمْلَةً أَوْ مُفَرَّقًا، مُجَرَّدُ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَلَا مُنَاسَبَةَ، بَلْ وَلَا شُبْهَةَ، فَمِنْ أَيْنَ يُوجَدُ فِي نُبُوَّةِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّ الرَّسُولَ الَّذِي يَأْتِيكُمْ بِكِتَابٍ نَزَلَ مُفَرَّقًا فَلَا تُؤْمِنُوا بِهِ وَلَا تُصَدِّقُوهُ؟
بَلْ نُزُولُ هَذَا الْقُرْآنِ مُفَرَّقًا بِحَسْبِ الْأَحْوَالِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَظَمَتِهِ وَاعْتِنَاءِ اللَّهِ بِمَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=32وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=33وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا .
فَلَمَّا ذَكَرَ اعْتِرَاضَهُمُ الْفَاسِدَ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِغَرِيبٍ مِنْ أَمْرِهِمْ، بَلْ سَبَقَ لَهُمْ مِنَ الْمُقَدِّمَاتِ الْقَبِيحَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا سَلَكُوهُ مَعَ الرَّسُولِ الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِهِ. مِنْ سُؤَالِهِمْ لَهُ رُؤْيَةَ اللَّهِ عِيَانًا، وَاتِّخَاذِهِمُ الْعِجْلَ إِلَهًا يَعْبُدُونَهُ، مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا مِنَ الْآيَاتِ بِأَبْصَارِهِمْ مَا لَمْ يَرَهُ غَيْرُهُمْ.
وَمِنَ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ قَبُولِ أَحْكَامِ كِتَابِهِمْ وَهُوَ التَّوْرَاةُ، حَتَّى رُفِعَ الطُّورُ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ وَهُدِّدُوا أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا أُسْقِطَ عَلَيْهِمْ، فَقَبِلُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِغْمَاضِ وَالْإِيمَانِ الشَّبِيهِ بِالْإِيمَانِ الضَّرُورِيِّ.
وَمِنَ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ دُخُولِ أَبْوَابِ الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمِرُوا بِدُخُولِهَا سُجَّدًا مُسْتَغْفِرِينَ، فَخَالَفُوا الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ. وَمِنَ اعْتِدَاءِ مَنِ اعْتَدَى مِنْهُمْ فِي السَّبْتِ فَعَاقَبَهُمُ اللَّهُ تِلْكَ الْعُقُوبَةَ الشَّنِيعَةَ.
وَبِأَخْذِ الْمِيثَاقِ الْغَلِيظِ عَلَيْهِمْ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ.
وَكَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتَلُوا رُسُلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَمِنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّهُمْ قَتَلُوا الْمَسِيحَ عِيسَى وَصَلَبُوهُ، وَالْحَالُ أَنَّهُمْ مَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ بَلْ شُبِّهَ لَهُمْ غَيْرُهُ، فَقَتَلُوا غَيْرَهُ وَصَلَبُوهُ.
وَادِّعَائِهِمْ أَنَّ قُلُوبَهُمْ غُلْفٌ لَا تَفْقَهُ
[ ص: 380 ] مَا تَقُولُ لَهُمْ وَلَا تَفْهَمُهُ، وَبِصَدِّهِمُ النَّاسَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فَصَدُّوهُمْ عَنِ الْحَقِّ، وَدَعَوْهُمْ إِلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ. وَبِأَخْذِهِمُ السُّحْتَ وَالرِّبَا مَعَ نَهْيِ اللَّهِ لَهُمْ عَنْهُ وَالتَّشْدِيدِ فِيهِ.
فَالَّذِينَ فَعَلُوا هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ لَا يُسْتَنْكَرُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْأَلُوا الرَّسُولَ
مُحَمَّدًا أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مِنْ أَحْسَنِ الطُّرُقِ لِمُحَاجَّةِ الْخَصْمِ الْمُبْطِلِ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا صَدَرَ مِنْهُ مِنَ الِاعْتِرَاضِ الْبَاطِلِ مَا جَعَلَهُ شُبْهَةً لَهُ وَلِغَيْرِهِ فِي رَدِّ الْحَقِّ أَنْ يُبَيَّنَ مِنْ حَالِهِ الْخَبِيثَةِ وَأَفْعَالِهِ الشَّنِيعَةِ مَا هُوَ مِنْ أَقْبَحِ مَا صَدَرَ مِنْهُ، لِيَعْلَمَ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي الْخَسِيسِ، وَأَنَّ لَهُ مُقَدِّمَاتٍ يُجْعَلُ هَذَا مَعَهَا.
وَكَذَلِكَ كَلُّ اعْتِرَاضٍ يَعْتَرِضُونَ بِهِ عَلَى نُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَابَلَ بِمِثْلِهِ أَوْ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فِي نُبُوَّةِ مَنْ يَدَّعُونَ إِيمَانَهُمْ بِهِ لِيُكْتَفَى بِذَلِكَ شَرُّهُمْ وَيَنْقَمِعَ بَاطِلُهُمْ، وَكُلُّ حُجَّةٍ سَلَكُوهَا فِي تَقْرِيرِهِمْ لِنُبُوَّةِ مَنْ آمَنُوا بِهِ فَإِنَّهَا وَنَظِيرَهَا وَمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا، دَالَّةٌ وَمُقَرِّرَةٌ لِنُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلَمَّا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ تَعْدِيدِ مَا عَدَّدَ اللَّهُ مِنْ قَبَائِحِهِمْ هَذِهِ الْمُقَابَلَةَ لَمْ يَبْسُطْهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، بَلْ أَشَارَ إِلَيْهَا، وَأَحَالَ عَلَى مَوَاضِعِهَا وَقَدْ بَسَطَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فِي الْمَحَلِّ اللَّائِقِ بِبَسْطِهَا.
(159) وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=159وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ يُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ هُنَا فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=159قَبْلَ مَوْتِهِ يَعُودُ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا كُلُّ كِتَابِيٍّ يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ وَيُعَايِنُ الْأَمْرَ حَقِيقَةً، فَإِنَّهُ يُؤْمِنُ
بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَكِنَّهُ إِيمَانٌ لَا يَنْفَعُ، إِيمَانُ اضْطِرَارٍ، فَيَكُونُ مَضْمُونُ هَذَا التَّهْدِيدِ لَهُمْ وَالْوَعِيدِ، وَأَنْ لَا يَسْتَمِرُّوا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي سَيَنْدَمُونَ عَلَيْهَا قَبْلَ مَمَاتِهِمْ، فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُهُمْ يَوْمَ حَشْرِهِمْ وَقِيَامِهِمْ؟
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=159قَبْلَ مَوْتِهِ رَاجِعٌ إِلَى
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لِيُؤْمِنَنَّ
بِالْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ مَوْتِ
الْمَسِيحِ، وَذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ وَظُهُورِ عَلَامَاتِهَا الْكِبَارِ.
فَإِنَّهُ تَكَاثَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي نُزُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. يَقْتُلُ الدَّجَّالَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيُؤْمِنُ بِهِ أَهْلُ الْكِتَابِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=159وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ
[ ص: 381 ] عِيسَى عَلَيْهِمْ شَهِيدًا، يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ، وَهَلْ هِيَ مُوَافِقَةٌ لِشَرْعِ اللَّهِ أَمْ لَا؟
وَحِينَئِذٍ لَا يَشْهَدُ إِلَّا بِبُطْلَانِ كُلِّ مَا هُمْ عَلَيْهِ، مِمَّا هُوَ مُخَالِفٌ لِشَرِيعَةِ الْقُرْآنِ وَلِمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلِمْنَا بِذَلِكَ، لِعِلْمِنَا بِكَمَالِ عَدَالَةِ
الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَصِدْقِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَشْهَدُ إِلَّا بِالْحَقِّ، إِلَّا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْحَقُّ وَمَا عَدَاهُ فَهُوَ ضَلَالٌ وَبَاطِلٌ.
(160-161) ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ كَثِيرًا مِنَ الطَّيِّبَاتِ الَّتِي كَانَتْ حَلَالًا عَلَيْهِمْ، وَهَذَا تَحْرِيمُ عُقُوبَةٍ بِسَبَبِ ظُلْمِهِمْ وَاعْتِدَائِهِمْ، وَصَدِّهِمُ النَّاسَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْعِهِمْ إِيَّاهُمْ مِنَ الْهُدَى، وَبِأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ، فَمَنَعُوا الْمُحْتَاجِينَ مِمَّنْ يُبَايِعُونَهُ عَنِ الْعَدْلِ، فَعَاقَبَهُمُ اللَّهُ مِنْ جِنْسِ فِعْلِهِمْ فَمَنَعَهُمْ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الطَّيِّبَاتِ الَّتِي كَانُوا بِصَدَدِ حِلِّهَا، لِكَوْنِهَا طَيِّبَةً، وَأَمَّا التَّحْرِيمُ الَّذِي عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنَّهُ تَحْرِيمُ تَنْزِيهٍ لَهُمْ عَنِ الْخَبَائِثِ الَّتِي تَضُرُّهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.