الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      فارسم لكل قارئ منها بما وافقه إن كان مما لزما


      أو بمخالف خلافا اغتفر     وكن في الإجماع من الخلف حذر

      [ ص: 343 ] ذكر في هذين البيتين واللذين بعدهما مسائل مفيدة تتأكد معرفتها قبل المقصود بالذات، فمنها ما أشار إليه بقوله: "فارسم لكل قارئ" البيت، أي: يتعين أن يرسم لكل قارئ من خلافيات المصاحف برسم المصحف الذي يوافق قراءته، ولا يجوز أن يرسم له بما يخالفها نحو: وقالوا اتخذ الله ولدا في البقرة رسم في بعض المصاحف بالواو قبل: قالوا وفي بعضها بإسقاطها كما سيأتي فيتعين رسم الواو لمن أثبتها من القراء لفظا، وترك رسمها لمن أسقطها منهم لفظا، ولا يجوز إسقاطها رسما لمن أثبتها لفظا ولا العكس; لأن هذا النوع من المخالفة لم يتقرر الإجماع على اغتفار فرد منه فلا يجوز، واحترز بقوله: "إن كان مما لزما" عما لا يلزم فيه صريح الموافقة نحو "الرياح"، الذي اختلفت المصاحف في حذف ألفه؛ يجوز أن يرسم لنافع الذي أثبت ألفه لفظا بإثباتها رسما وهذا صريح الموافقة، ويجوز أن يرسم بحذفها وإن كان فيه مخالفة لقراءته; لأن هذا النوع من المخالفة مغتفر لتقرر الإجماع على إفراد منه ك: "الرحمان"، و: "العالمين"، وهذا معنى قوله: "أو بمخالف خلافا اغتفر"، فقوله: "بمخالف" معطوف ب: "أو" على قوله: "بما وافقه" و: "أو" للتخيير بين الموافقة والمخالفة.

      والحاصل أن الذي يغتفر من أنواع المخالفة هو ما ثبت الاغتفار في فرد منه فأكثر اتفاقا، والذي لا يغتفر منها هو ما لم يثبت فيه ذلك، ثم حذر بقوله: "وكن في الإجماع من الخلف حذر" من مخالفة رسم المصاحف فيما أجمعت عليه لكونها ممتنعة، ويؤخذ منه أن المخالفة المغتفر نوعها إنما يجوز ارتكابها إذا ورد بها مصحف عثماني كما تقدم في "الرياح" الذي اختلفت المصاحف في حذف ألفه، فإن لم ترد عن مصحف عثماني لم تجز كحذف ألف "قال"، وإذا كان صريح الموافقة ممتنعا فيما أجمعت المصاحف فيه على المخالفة كحذف ألف "الرحمان" و: "العالمين"، فلأن تمتنع المخالفة فيما أجمعت فيه على الموافقة كإثبات ألف "قال من باب أولى"، وقوله: "حذر" بكسر الذال وهو خبر "كن"، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة

      التالي السابق


      الخدمات العلمية