الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( باب الاستحقاق )

                                                                                                                            ش : لم يبين المصنف حقيقته وحكمه وسببه وشروطه وموانعه ولا يتصور إلا بمعرفة ذلك قال ابن عرفة [ ص: 295 ] وهو من تراجم كتبها أما حقيقته فقال ابن عرفة : هو رفع ملك شيء بثبوت ملك قبله أو حرية كذلك بغير عوض فيخرج العتق ومطلق رفع الملك بملك بعده وما وجد في المقاسم بعد بيعه أو قسمه ; لأنه لا يؤخذ إلا بثمن ، انتهى . وقال في اللباب : هو الحكم بإخراج المدعى فيه الملكية من يد حائزه إلى يد المدعي بعد ثبوت السبب والشروط وانتفاء الموانع وأما حكمه فقال ابن عرفة : حكمه الوجوب عند تيسر أسبابه في الرفع على عدم يمين مستحقه وعلى يمينه مباح كغير الربع ; لأن الحلف مشقة ، انتهى .

                                                                                                                            وأما سببه فهو قيام البينة على عين الشيء المستحق أنه ملك للمدعي لا يعلمون خروجه ولا خروج شيء منه عن ملكه حتى الآن والشهادة في أنها لم تخرج عن ملكه إنما يكون على نفي العلم في قول ابن القاسم المعمول به قاله في اللباب وأما شروطه فثلاث : ( الأول ) الشهادة على عينه إن أمكن وإلا فحيازته وهي أن يبعث القاضي عدلين وقيل : أو عدلا مع الشهود الذين شهدوا بالملكية فإن كانت دارا مثلا قالوا لهما مثلا هذه الدار هي التي شهدنا عند القاضي فيها الشهادة المقيدة أعلاه .

                                                                                                                            ( الثاني ) الإعذار في ذلك إلى الحائز فإن ادعى مدفعا أجله فيه بحسب ما يراه . ( الثالث ) يمين الاستبراء واختلف في لزومها على ثلاثة أقوال : ( الأول ) أنه لا بد منها في جميع الأشياء قاله ابن القاسم وابن وهب وابن سحنون .

                                                                                                                            ( الثاني ) لا يمين في الجميع أيضا قاله ابن كنانة .

                                                                                                                            ( الثالث ) أنه لا يحلف في العقار ويحلف في غيره وهو المعمول به عند الأندلسيين وفي سجلات الباجي لو استحق ذلك من يد غاصب لم يحلف قال ابن سلمون ولا يمين على مستحق الأصل إلا أن يدعي عليه خصمه ما يوجبها ، وقيل : لا بد من اليمين كالعروض والحيوان ، انتهى .

                                                                                                                            ثم قال : وأما غير الأصول من الدواب والرقيق والعروض وغيرهما فيكتب في استحقاقها يعرف شهوده فلانا ويعلمون له مالا وملكا جارية صفتها كذا أو فرسا أو ثوبا صفته كذا لا يعلمون له في ذلك بيعا ولا تفويتا ولا أنه خرج عن ملكه بوجه حتى الآن وقيدوا بذلك شهادتهم على عين الثوب أو الفرس أو الجارية في كذا فإذا ثبت هذا فلا بد من اليمين ونصه : حلف بإذن القاضي بعرية كذا فلان المذكور في رسم الاسترعاء بكذا بحيث يجب وكما يجب يمينا قال فيها بالله الذي لا إله إلا هو ما بعت الفرس أو الثوب أو الجارية المشهود لي به فيه ولا فوته ولا خرج عن ملكي بوجه من وجوه الفوت حتى الآن ومن حضر اليمين المنصوصة عن الإذن واستوعبها من الحالف وعرفه قيد على ذلك شهادته في كذا وكانت يمينه على عين الجارية والفرس وهو يشير إليهما في يمينه بيان اليمين في هذا واجبة على المشهور المعمول به بخلاف الأصول فإنه لا يمين فيها إلا على قول سحنون .

                                                                                                                            وحكى ابن سهل عن ابن كنانة أنه لا يمين على مستحق العروض والحيوان إلا أن يدعي الخصم ما يوجبهما وتكون اليمين على النص المذكور أنه ما باع ولا وهب وكان محمد بن الفرج يحلفه أنه ماله ومالكه وأنه ما باع ولا وهب قال ابن سهل وما تقدم هو نص المدونة ولا يحتاج إلى ما ذكره محمد بن فرج وفي المجموعة إذا كانت الجارية غائبة فالشهادة فيها على النعت والاسم جائزة فإن وجدت جواري كثيرة على تلك الصفة يحلف الحاكم المستحق وأثبتا عنده أنها واحدة منهن وإن لم يوجد سواها لم يكلفه من ذلك شيئا وفي مسائل . ابن الحاج سئل في الشهادة على الصفة فقال : وقفت على الكتابين في المملوكة السوداء الموصوفة بهما .

                                                                                                                            والذي يظهر لي أن الشهادة على الصفة فيها عاملة فالحكم له بها واجب بعد أن ينظر ويسأل هل في البلد مملوكة توصف بهذه الصفة ؟ فإن لم توجد قضيت لربها وأسلمتها إليه بعد أن يحلف . وسئل في رجل ابتاع كتابا من [ ص: 296 ] كتب العلم ثم جاء رجل آخر فادعاه وأتى بكتاب بذلك وقد فات الكتاب فقال : لا يتوجه الحكم لمستحق الشيء إلا بعد شهادة العدول على يمينه والإعذار إلى الذي هو في يده ولا يصح الحكم دون تعيين المشهود فيه عند الحكم ، انتهى كلام ابن سلمون وأما المانع من الاستحقاق ففعل وسكوت بالفعل أن يشتري ما ادعاه من عند حائزه فقال : إنما اشتريته خوف أن يغيب عليه فإذا أثبته رجعت عليه بالثمن لم يكن له مقال وقال أصبغ : إلا أن تكون بينة بعيدة جدا أو يشهد قبل الشراء أنه إنما اشتراه لذلك فذلك ينفعه ولو اشتراه وهو يرى أن لا بينة له ثم وجد بينة فله القيام أو أخذ الثمن منه قال أصبغ : والقول قوله وأما السكوت فمثل أن يترك القيام من غير مانع أمد الحيازة قاله في اللباب . ( فرع ) قال ابن سلمون : فإن ثبت ذلك لمن باعه ممن باعه من مستحقه فلا بد أن يحلف الذي ثبت له ومن بعده فإذا حلفوا يمين القضاء فحينئذ يحكم به لمستحقه ، انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية