الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقيل : حج مسروق فما بات ليلة إلا ساجدا ويروى عن أزهر بن مغيث ، وكان من القوامين أنه قال رأيت في المنام امرأة لا تشبه نساء أهل الدنيا ، فقلت لها : من أنت قالت ؟ : حوراء فقلت : زوجيني نفسك ، فقالت : اخطبني إلى سيدي ، وأمهرني . فقلت : وما مهرك ؟ قالت : طول التهجد وقال يوسف بن مهران بلغني أن تحت العرش ملكا في صورة ديك براثنه من لؤلؤ وصئصئة من زبرجد أخضر ، فإذا مضى ثلث الليل الأول ضرب بجناحيه وزقا وقال : ليقم القائمون فإذا مضى نصف الليل ضرب بجناحيه وزقا وقال : ليقم المتهجدون ، فإذا مضى ثلثا الليل ضرب بجناحيه وزقا ، وقال : ليقم المصلون ، فإذا طلع الفجر ضرب بجناحيه وزقا وقال : ليقم الغافلون وعليهم أوزارهم وقيل إن : وهب بن منبه اليماني ما وضع جنبه إلى الأرض ثلاثين سنة وكان يقول : لأن أرى في بيتي شيطانا أحب إلي من أن أرى في بيتي وسادة : لأنها تدعو إلى النوم وكانت له مسورة من أدم إذا غلبه النوم ، وضع صدره عليها ، وخفق خفقات ثم يفزع إلى الصلاة وقال بعضهم رأيت رب العزة في النوم فسمعته يقول : وعزتي وجلالي لأكرمن مثوى سليمان التيمي فإنه صلى لي الغداة بوضوء العشاء أربعين سنة ويقال : كان مذهبه أن النوم إذا خامر القلب بطل الوضوء وروي في بعض الكتب القديمة عن الله تعالى أنه قال : إن عبدي الذي هو عبدي حقا الذي لا ينتظر بقيامه صياح الديكة .

التالي السابق


(وقيل: حج مسروق) ابن الأجدع بن مالك بن أمية بن عبد الله بن مر بن سلامان بن معمر الوادعي الهمداني أبو عائشة الكوفي يقال: إنه سرق وهو صغير ثم وجد. فسمي مسروقا، وأسلم أبوه، ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين من أهل الكوفة، وقال الشعبي: عن مسروق: لقيت عمر بن الخطاب فقال: ما اسمك ؟ فقلت: مسروق بن الأجدع. قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: الأجدع اسم شيطان، أنت مسروق بن عبد الرحمن. قال الشعبي: فرأيت في الديوان مسروق بن عبد الرحمن، وكان ثقة، وله أحاديث صالحة، صلى خلف أبي بكر، ولقي عمر وعليا وزيد بن ثابت وابن مسعود وعائشة وأم سلمة والمغيرة وخباب بن الأرت، مات سنة ثلاث وستين، وله ثلاث وستون سنة، روى له الجماعة، (فما بات ليلة إلا ساجدا) ، وهذا القول رواه المزي في " التهذيب " عن أبي إسحاق - يعني: الفزاري- قال: حج مسروق فلم ينم إلا ساجدا على وجهه، حتى رجع. وقال أنس بن سيرين: عن امرأة مسروق وهي نمير بنت عمر: وكان مسروق يصلي حتى تورم قدماه، فربما جلست خلفه أبكي مما أراه يصنع بنفسه. وقال الشعبي: غشي على مسروق في يوم صائف وهو صائم، وكانت له ابنة تسمى عائشة ، وبها يكنى، وكان لا يعصيها، فنزلت إليه فقالت: يا أبتاه، أفطر واشرب، قال: ما أردت بي يا بنية، إنما طلبت الرفق لنفسي في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة .

(ويروى عن أزهر بن مغيث، وكان من القائمين) العباد (أنه قال رأيت في المنام امرأة لا تشبه نساء أهل الدنيا، فقلت لها: من أنت ؟ فقالت: حوراء) واحدة لحور بالضم، وقد حورت العين حورا كفرح، اشتد بياض بياضها، وسواد سوادها، ويقال: الحور اسوداد المقلة كلها كعيون الظباء، قالوا: وليس في الإنسان حور، وإنما قيل ذلك في النساء على التشبيه، وفي مختصر العين: ولا يقال للمرأة: حوراء إلا للبيضاء مع حورها (فقلت: زوجيني نفسك، فقالت: اخطبني إلى سيدي، وأمهرني. فقلت: وما مهرك ؟ قالت: طول التهجد) أي: طول قيام بالليل.

(وقال يوسف بن مهران) تابعي جليل روى عن ابن عباس وجابر، وعنه علي بن جدعان، وثقه أبو زرعة، روى له الترمذي قال: (بلغني أن تحت العرش ملكا في صورة ديك براثنه من [ ص: 191 ] لؤلؤة) أي: مخالبه (وصئصئته) بكسر الصادين المهملتين مهموز هي أعلى القفا (من زبرجد أخضر، فإذا مضى ثلث الليل الأول ضرب بجناحيه وزقا) أي: صاح (وقال: ليقم القائمون) أي: للعبادة، (فإذا مضى نصف الليل ضرب بجناحيه وقال: ليقم المتهجدون، فإذا مضى ثلث الليل ضرب بجناحيه وزقا، وقال: ليقم المصلون، فإذا طلع الفجر ضرب بجناحيه وزقا وقال: ليقم الغافلون وعليهم أوزارهم) . نقله هكذا صاحب "القوت " وقال: وحدثنا عبد الله بن عمر قال: حدثنا يوسف بن مهران قال: بلغني، فساقه، وقد وقع لي حديث الديك في جملة المسلسلات وهو المسلسل بقول: ما زلت بالأشواق إلى حديث حدثني به فلان .

قال الإمام أبو بكر محمد بن عمر بن عثمان بن عبد العزيز الحنفي عرف بكال، حدثنا به أبو الرضا محمد بن علي بن يحيى النسفي ببغداد، حدثني به أبو منصور عبد المحسن بن محمد، حدثني به أحمد بن عاصم الحافظ، حدثنا به محمد بن الحسين الحفاف، حدثنا به عبد الله بن إبراهيم الدقاق، حدثنا به أبو عبد الله محمد بن إدريس بن عبد الله ابن أخي عيسى الدلال المصري، حدثنا أبو طاهر خير بن عرفة بن عبد الله الأنصاري، حدثنا عبد المنعم بن بشير، حدثنا ابن وهب، حدثنا عبد الله بن سعيد، حدثني أبي حدثنا أبو الدرداء -رضي الله عنه- قال: ما زلت بالأشواق إلى الديك الأبيض، منذ رأيت ديك الله تعالى تحت عرشه ليلة أسري بي ديكا أبيض زغبه أخضر كالزبرجد، وعرفه ياقوتة حمراء، شرفها من جوهر، وعيناه من ياقوتتين حمراوين، ورجلاه من ذهب أحمر في تخوم الأرض السفلى، مطولا من تحت الأرض، وتحت السماوات، وتحت العرش عنقه كالإبريق الناشر في السماء، أحسن شيء رأيته، ومنقاره من ذهب يتلألأ نورا، فإذا كان في الثلث الأول نشر جناحيه وخفق بهما، وقال: سبحان ذي الملك والملكوت. يقول ذلك ثلاث مرات، فإذا خفق خفقت الديوك في الأرض، وصرخت كصراخه، فإذا كان في ثلث الليل الأوسط فعل مثل ذلك، وقال: سبحان من لا يسأم ولا ينام. يقول ذلك ثلاثا، فتجيبه الديوك في الأرض، فإذا كان في ثلث الليل الآخر فعل ذلك وقال: سبحان من هو دائم قائم، سبحان من نامت العيون وعين سيدي لا تنام، سبحان الدائم القائم، سبحان من فلق الإصباح بإذنه، وسرى إلى خزائنه، لا إله إلا هو، سبحانه، رواه الحافظ السخاوي مسلسلا في " الجواهر المكللة " عن أبي إسحاق إبراهيم بن علي الزمزمي، عن المجد الشيرازي صاحب " القاموس " عن أبي عبد الله الفارقي، عن أبي الحسن القرامي، عن جعفر الهمداني، عن أبي محمد الديباجي، عن أبي بكر لا كبسنده، وقال: هو باطل منشأ وتسلسلا، ورواه الحافظ ابن مهد عن أبي اليمن محمد بن عمر بن محمد بن مخلوف المحلي، عن القاضي العلامة ناصر الدين محمد بن أحمد بن محمد بن فوز العثماني، عن التقي أبي عبد الله بن عرام الشاذلي، عن القلب محمد بن محمد بن علي بن حجر، عن أبي عبد الله الشاطبي، عن جعفر الهمداني، قال الحافظ السخاوي: ولم أره في أخبار الديك للحافظ أبي نعيم مع كثرة ما فيه من المناكير، والله أعلم .

(وقيل: إن وهب بن منبه) بن كامل بن يسبح (اليماني) الصنعاني الذماري أبو عبد الله الأنباري أخو همام ومعقل وغيلان بني منبه، ولد سنة أربع وثلاثين في خلافة عثمان، ومات سنة ست عشرة ومائة بصنعاء، قال العجلي: تابعي ثقة، وكان على قضاء صنعاء، وذكره ابن حبان في كتاب " الثقات " روى له البخاري حديثا واحدا، والباقون إلا ابن ماجه (ما وضع جنبه إلى الأرض ثلاثين سنة) وذكر المزي في ترجمته أنه لبث وهب أربعين سنة لا يرقد على فراش (وكان يقول: لأن أرى في بيتي شيطانا أحب إلي من أن أرى وسادة يعني: لأنها تدعو إلى النوم) نقله صاحب "القوت " (وكانت له وسادة من أدم) حشوها ليف كما في بعض النسخ (إذا غلبه النوم، وضع صدره عليها، وخفق خفقات ثم ينزع إلى القيام) نقله صاحب "القوت "، وذكر ابن سعد في " الطبقات " بسنده إلى المثنى بن صباح قال: لبث وهب أربعين سنة لم يسب شيئا فيه الروح، ولبث عشرين سنة لم يجعل بين العشاء والصبح وضوءا. (وقال بعضهم) هو رقبة بن مصقلة كما صرح به صاحب "القوت " وهو أبو عبد الله الكوفي شيخ ثقة، وكان صديقا لسليمان التميمي، روى عنه سليمان حديثا واحدا، روى له الجماعة إلا ابن ماجه (رأيت رب العزة جل جلاله في المنام فسمعته يقول: وعزتي وجلالي لأكرمن مثوى سليمان التميمي [ ص: 192 ] فإنه صلى الغداة بوضوء العشاء الآخرة أربعين سنة) نقله صاحب "القوت " والمزي، وقال محمد بن عبد الأعلى: قال لي المعتمر بن سليمان: لولا أنت من أهلي ما حدثتك بذا، عن أبي: مكث أبي أربعين سنة يصوم يوما ويفطر يوما، ويصلي الفجر بوضوء عشاء الأخيرة. وعن معاذ بن معاذ قال: كانوا يرون أنه أخذ عبادته عن أبي عثمان النهدي، وقال حماد بن سلمة: ما أتينا التميمي في طاعة يطاع الله عز وجل فيها إلا وجدناه مطيعا، وكنا نرى أنه لا يحسن يعصي الله، (ويقال: كان مذهبه أن النوم إذا خامر القلب بطل الوضوء) ، نقله صاحب "القوت " إلا أنه قال: وجب الوضوء (ويروى) في بعض الكتب القديمة (أن الله عز وجل يقول: إن عبدي الذي هو عبدي حقا الذي لا ينتظر بقيامه صياح الديك) نقله صاحب "القوت " .




الخدمات العلمية