الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط

                                                                                                                                                                                                                                      22 - إذ ؛ بدل من الأولى؛ دخلوا على داود ففزع منهم ؛ روي أن الله (تعالى) بعث إليه ملكين؛ في صورة إنسانين؛ فطلبا أن يدخلا عليه؛ فوجداه في يوم عبادته؛ فمنعهما الحرس؛ فتسورا عليه المحراب؛ فلم يشعر إلا وهما بين يديه جالسان؛ ففزع منهم ؛ لأنهم دخلوا عليه المحراب في غير يوم القضاء؛ ولأنهم نزلوا عليه من فوق؛ وفي يوم الاحتجاب؛ والحرس حوله لا يتركون من يدخل عليه؛ قالوا لا تخف خصمان ؛ خبر مبتدإ محذوف؛ أي: نحن خصمان؛ بغى بعضنا على بعض ؛ تعدى وظلم فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط ؛ ولا تجر؛ من "الشطط"؛ وهو مجاوزة الحد؛ وتخطي الحق؛ واهدنا إلى سواء الصراط ؛ وأرشدنا إلى وسط الطريق؛ ومحجته؛ والمراد: عين الحق؛ ومحضه؛ روي أن أهل زمان داود - عليه السلام - كان يسأل بعضهم بعضا أن ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته؛ وكان لهم عادة في المواساة بذلك؛ وكان الأنصار يواسون المهاجرين بمثل ذلك؛ فاتفق أن داود - عليه السلام - وقعت عينه على امرأة [ ص: 150 ] أوريا؛ فأحبها؛ فسأله النزول له عنها؛ فاستحى أن يرده؛ ففعل؛ فتزوجها؛ وهي أم سليمان؛ فقيل له: إنك مع عظم منزلتك؛ وكثرة نسائك؛ لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلا ليس له إلا امرأة واحدة النزول عنها لك؛ بل كان الواجب عليك مغالبة هواك؛ وقهر نفسك؛ والصبر على ما امتحنت به؛ وقيل: خطبها أوريا؛ ثم خطبها داود؛ فآثره أهلها؛ فكانت زلته أن خطب على خطبة أخيه المؤمن؛ مع كثرة نسائه؛ وما يحكى أنه بعث مرة بعد مرة أوريا إلى غزوة البلقاء؛ وأحب أن يقتل ليتزوجها؛ فلا يليق من المتسمين بالصلاح من أفناء المسلمين؛ فضلا عن بعض أعلام الأنبياء؛ وقال علي - رضي الله عنه -: "من حدثكم بحديث داود - عليه السلام - على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين؛ وهو حد الفرية على الأنبياء"؛ وروي أنه حدث بذلك عمر بن عبد العزيز؛ وعنده رجل من أهل الحق؛ فكذب المحدث؛ وقال: إن كانت القصة على ما في كتاب الله فما ينبغي أن يلتمس خلافها؛ وأعظم بأن يقال غير ذلك؛ وإن كانت على ما ذكرت وكف الله عنها سترا على نبيه؛ فما ينبغي إظهارها عليه؛ فقال عمر: "لسماعي هذا الكلام أحب إلي مما طلعت عليه الشمس"؛ والذي يدل عليه المثل الذي ضربه الله بقصته - عليه السلام - ليس إلا طلبه إلى زوج المرأة أن ينزل له عنها؛ فحسب؛ وإنما جاءت على طريق التمثيل؛ والتعريض؛ دون التصريح؛ لكونها أبلغ في التوبيخ من قبل أن التأمل إذا أداه إلى الشعور بالمعرض به؛ كان أوقع في نفسه؛ وأشد تمكنا من قلبه؛ وأعظم أثرا فيه؛ مع مراعاة حسن الأدب؛ بترك المجاهرة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية