الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        2084 حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن سليم بن حيان حدثنا سعيد بن مينا قال سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع الثمرة حتى تشقح فقيل وما تشقح قال تحمار وتصفار ويؤكل منها

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى تشقح ) بضم أوله من الرباعي يقال أشقح ثمر النخل إشقاحا إذا احمر أو اصفر ، والاسم الشقح بضم المعجمة وسكون القاف بعدها مهملة ، وذكره مسلم من وجه آخر عن جابر بلفظ : " حتى تشقه " فأبدل من الحاء هاء لقربها منها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقيل : وما تشقح ) ؟ هذا التفسير من قول سعيد بن ميناء راوي الحديث ، بين ذلك أحمد في روايته لهذا الحديث عن بهز بن أسد عن سليم بن حيان أنه هو الذي سأل سعيد بن ميناء عن ذلك فأجابه بذلك ، وكذلك أخرجه مسلم من طريق بهز ، وأخرجه الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سليم بن حيان [ ص: 464 ] فقال في روايته : " قلت لجابر : ما تشقح . . . إلخ " فظهر أن السائل عن ذلك هو سعيد ، والذي فسره هو جابر ، وقد أخرج مسلم الحديث من طريق زيد بن أبي أنيسة عن أبي الوليد عن جابر مطولا وفيه : " وأن يشتري النخل حتى يشقه ، والإشقاء أن يحمر أو يصفر أو يؤكل منه شيء " وفي آخره : " فقال زيد فقلت لعطاء أسمعت جابرا يذكر هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم " وهو يحتمل أن يكون مراده بقوله هذا جميع الحديث فيدخل فيه التفسير ، ويحتمل أن يكون مراده أصل الحديث لا التفسير فيكون التفسير من كلام الراوي ، وقد ظهر من رواية ابن مهدي أنه جابر والله أعلم . ومما يقوي كونه مرفوعا وقوع ذلك في حديث أنس أيضا ، وفيه دليل على أن المراد ببدو الصلاح قدر زائد على ظهور الثمرة ، وسبب النهي عن ذلك خوف الغرر لكثرة الجوائح فيها ، وقد بين ذلك في حديث أنس الآتي في الباب بعده : " فإذا احمرت وأكل منها أمنت العاهة عليها " أي : غالبا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تحمار وتصفار ) قال الخطابي لم يرد بذلك اللون الخالص من الصفرة والحمرة ، وإنما أراد حمرة أو صفرة بكمودة فلذلك قال : تحمار وتصفار قال : ولو أراد اللون الخالص لقال تحمر وتصفر ، وقال ابن التين : التشقيح تغير لونها إلى الصفرة والحمرة ، فأراد بقوله تحمار وتصفار ظهور أوائل الحمرة والصفرة قبل أن تشبع ، قال : وإنما يقال تفعال في اللون الغير المتمكن إذا كان يتلون ، وأنكر هذا بعض أهل اللغة وقال : لا فرق بين تحمر وتصفر وتحمار وتصفار ، ويحتمل أن يكون المراد المبالغة في احمرارها واصفرارها ، كما تقرر أن الزيادة تدل على التكثير والمبالغة .

                                                                                                                                                                                                        ( تكميل ) : قال الداودي الشارح : قول زيد بن ثابت " كالمشورة يشير بها عليهم " تأويل من بعض نقلة الحديث ، وعلى تقدير أن يكون من قول زيد بن ثابت فلعل ذلك كان في أول الأمر ثم ورد الجزم بالنهي كما بينه حديث ابن عمر وغيره . قلت : وكأن البخاري استشعر ذلك فرتب أحاديث الباب بحسب ذلك ، فأفاد حديث زيد بن ثابت سبب النهي ، وحديث ابن عمر التصريح بالنهي ، وحديث أنس وجابر بيان الغاية التي ينتهي إليها النهي .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية