الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ومن كلمات القوم في الآيات: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون فيه إشارة إلى أن أجر المؤمن الغير العامل ممنون أي منقوص بالنسبة إلى أجر المؤمن العامل وأجر هذا العامل على الأعمال البدنية كالصلاة والحج الجنة، وعلى الأعمال القلبية كالرضا والتوكل الشوق والمحبة وصدق الطلب، وعلى الأعمال الروحانية كالتوجه إلى الله تعالى كشف الأسرار وشهود المعاني والاستئناس بالله تعالى والاستيحاش من الخلق والكرامات، وعلى أعمال الأسرار كالإعراض عن السوى بالكلية دوام التجلي قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض [ ص: 9 ] أي أرض البشرية في يومين يومي الهوى والطبيعة وتجعلون له أندادا من الهوى والطبيعة وجعل فيها رواسي العقول الإنسانية وبارك فيها بالحواس الخمس وقدر فيها أقواتها من القوى البشرية ثم استوى إلى السماء سماء القلب وهي دخان هيولى إلهية فقضاهن سبع سماوات هي الأطوار السبعة للقلب فالأول محل الوسوسة والثاني مظهر الهواجس والثالث معدن الرؤية ويسمى الفؤاد والرابع منبع الحكمة ويسمى القلب والخامس مرآة الغيب ويسمى السويداء والسادس مثوى المحبة ويسمى الشغاف والسابع مورد التجلي ومركز الأسرار ومهبط الأنوار ويسمى الحبة في يومين يومي الروح الإنساني والإلهام وزينا السماء الدنيا بمصابيح وهي أنوار الأذكار والطاعات إن الذين قالوا ربنا الله يوم خوطبوا بألست بربكم؟ ثم استقاموا على إقرارهم لما خرجوا إلى عالم الصور ولم ينحرفوا عن ذلك كالمنافقين والكافرين، وذلك أن الاستقامة متفاوتة فاستقامة العوام في الظاهر بالأوامر والنواهي وفي الباطن بالإيمان واستقامة الخواص في الظاهر بالرغبة عن الدنيا وفي الباطن بالرغبة عن الجنان شوقا إلى الرحمن واستقامة خواص الخواص في الظاهر برعاية حقوق المبايعة بتسليم النفس والمال وفي الباطن بالفناء والبقاء تتنزل عليهم الملائكة تنزلا متفاوتا حسب تفاوت مراتبهم، وعن بعض أئمة أهل البيت أن الملائكة لتزاحمنا بالركب أو ما هذا معناه وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون هي أيضا متفاوتة فمنهم من يبشر بالجنة المعروفة ومنهم من يبشر بجنة الوصال ورؤية الملك المتعال ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله بترك ما سواه وعمل صالحا لئلا يخالف حاله قاله وقال إنني من المسلمين المنقادين لحكمه تعالى الراضين بقضائه وقدره، وفيه إشارة إلى صفات الشيخ المرشد وما ينبغي أن يكون عليه ويحق أن يقال في كثير من المتصدين للإرشاد في هذا الزمان المتلاطمة أمواجه بالفساد:


                                                                                                                                                                                                                                      خلت الرقاع من الرخاخ وتفرزنت فيها البيادق     وتصاهلت عرج الحمير
                                                                                                                                                                                                                                      وذاك من عدم السوابق



                                                                                                                                                                                                                                      ولا تستوي الحسنة وهي التوجه إلى الله تعالى بصدق الطلب وخلوص المحبة ولا السيئة وهي طلب السوى والرضا بالدون ادفع بالتي هي أحسن وهي طلب الله تعالى طلب ما سواه سبحانه فإذا الذي بينك وبينه عداوة وهو النفس الأمارة بالسوء كأنه ولي حميم لتزكي النفس عن صفاتها الذميمة وانفطامها عن المخالفات القبيحة وإما ينزغنك من الشيطان نزغ لتميل إلى ما يهوى فاستعذ بالله وارجع إليه سبحانه لئلا يؤثر فيك نزغه، وفيه إشارة إلى أنه لا ينبغي الأمن من المكر والغفلة عن الله عز وجل إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا فيه إشارة إلى سوء المنكرين على الأولياء فإنهم من آيات الله تعالى والإنكار من الإلحاد نسأل الله تعالى العفو والعافية قل هو أي القرآن للذين آمنوا هدى وشفاء على حسب مراتبهم فمنهم من يهديه إلى شهود الملك العلام فعن الصادق على آبائه وعليه السلام لقد تجلى الله تعالى في كتابه لعباده ولكن لا يبصرون سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم فيه إشارة إلى أن الخلق لا يرون الآيات إلا بإراءته عز وجل وهي كشف الحجب ليظهر أن الأعيان ما شمت رائحة الوجود ولا تشمه أبدا وأنه عز وجل هو الأول والآخر والظاهر والباطن كان الله ولا شيء معه وهو سبحانه الآن على ما عليه كان وإليه الإشارة عندهم بقوله تعالى: حتى يتبين لهم أنه الحق ومن هنا قال الشيخ الأكبر قدس سره:


                                                                                                                                                                                                                                      ما آدم في الكون ما إبليس     ما ملك سليمان وما بلقيس
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 10 ] الكل إشارة وأنت المعنى     يا من هو للقلوب مغناطيس



                                                                                                                                                                                                                                      وأكثر كلامه قدس سره من هذا القبيل بل هو أم وحدة الوجود وأبوها وابنها وأخوها، وإياك أن تقول كما قال ذلك الأجل حتى تصل بتوفيق الله تعالى إلى ما إليه وصل والله عز وجل الهادي إلى سواء السبيل، تم الكلام على السورة والحمد لله على جزيل نعمائه والصلاة والسلام على رسوله محمد مظهر أسمائه وعلى آله وأصحابه وسائر أتباعه وأحبائه وصلاة وسلاما باقيين إلى يوم لقائه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية