الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولراهن بيده رهنه بدفع الدين ; [ ص: 80 ] كوثيقة زعم ربها سقوطها ; [ ص: 81 ] ولم يشهد شاهدها إلا بها .

التالي السابق


( و ) قضي ( لراهن ) باعتبار ما كان وجد ( بيده رهنه ) وادعى أنه دفع الدين المرهون فيه واستلمه من مرتهنه وأنكر ذلك المرتهن وادعى سقوط الرهن منه فيقضى للراهن ( بدفع الدين ) المرهون فيه أي بأنه دفعه للمرتهن إن طال الزمان كعشرة أيام وإلا فالقول للمرتهن بلا خلاف .

في المتيطية لو لم يقر المرتهن بدفع الرهن إلى الراهن وادعى تلفه أو سقوطه فالقول قوله قولا واحدا إذا كان قيامه عليه بالقرب ، ولا اختلاف بينهم إذا طال الأمر أن القول قول الراهن . ابن فرحون في المتيطية لو كان رب الدين أخذ من الغريم رهنا ثم دفعه إليه وادعى أنه أعطاه الرهن ولم يوفه الغريم حقه ، وقال الغريم لم يدفع إلي رهني إلا بعد قبض دينه ، فقال مالك " رضي الله عنه " في العتبية أرى أن يحلف الراهن ويسقط عنه ما ادعاه رب [ ص: 80 ] الدين ، وكذلك لو أنكر رب الرهن قبض شيء من دينه وقال دفعت إليه الرهن على أن يأتيني بحقي فلم يفعل لكان القول قول الراهن على هذه الرواية خلاف ما في نوازل سحنون من أن القول قول المرتهن إذا كان قيامه عليه بالقرب ، ولا اختلاف بينهم إذا طال الأمر أن القول قول الراهن ، والقول الأول أظهر من قول سحنون ولو لم يقر المرتهن بدفع الرهن للراهن وادعى تلفه أو سقوطه لكان القول قوله قولا واحدا إذا كان قيامه عليه بالقرب . ا هـ . فجعل الخلاف بين مالك وسحنون رضي الله تعالى عنهما إنما هو فيما إذا أقر المرتهن بدفع الرهن له وادعى أنه لم يوفه قاله الحط . وشبه فيما تضمنه قوله ولراهن إلخ من أنه لا شيء لرب الدين فقال ( كوثيقة ) فقدت فلم توجد بيد رب الدين ولا المدين ( وزعم ربها سقوطها ) وإن دينه باق على المدين وأنكر ذلك المدين فلا شيء لربها على المدعى عليه بعد حلفه . البناني الظاهر ما حمل عليه صاحب التكملة وهو ما إذا زعم رب الدين سقوط الوثيقة وادعى المدين القضاء فالقول للمدين بيمينه ، وهذا ظاهر التشبيه في كلام المصنف فيكون فقد الوثيقة من يد رب الدين شاهدا للمدين بالقضاء يحلف معه ، وعارضه " غ " بقوله قبله ولربها ردها .

وفرق بعض بينهما بأنه في الأولى لما وجدت الوثيقة بيد المدين غير مخصوم عليها كذبه العرف بأن الدين لا يقضى إلا بكتب قضائه عليها ، بخلاف هذه ، وارتضى طفي هذا الحمل ، واحتج له بنص الكافي ونص المتيطي عن الكافي إذا كتب الشاهد الوثيقة وطولب بها وزعم المشهود عليه ، أنه قد أدى ذلك الحق لم يشهد الشاهد حتى يؤتي بالكتاب الذي فيه شهادته بخطه لأن الذي عليه أكثر الناس أخذ الوثائق إذا أدوا الديون ا هـ نقله " غ " وغيره .

قلت مقتضى كلام الكافي أن الشاهد في هذه المسألة لا يشهد ، ويفهم منه أن القول للمدين إذ لو كان مؤاخذا بإقراره لم يكن لمنع شهادة الشاهد فائدة لموافقتها الإقرار ، فصح الاستدلال به خلافا لمن منع كونه حجة ، وإذا صح حمل كلام المصنف على ظاهره لم يحتج لما حمله عليه " ز " تبعا لعج من عدم دعوى المدين القضاء ولقلة جدواه . [ ص: 81 ] ولم يشهد ) أي لا يجوز أن يشهد ( شاهدها ) أي الشاهد الذي كتب شهادته بخطه في الوثيقة وهو يشمل الشاهدين فأكثر بإضافته للضمير بما فيها من الدين ( إلا ب ) رئيت ( ها ) أي لاحتمال قضاء ما فيها كله أو بعضه ، وكتب ذلك عليها بخط رب الدين أو عدلين .

تت صاحب التكملة هذه مسألة مستقلة أي من زعم سقوط وثيقته وطالب بما فيها وزعم المشهود عليه رد الدين فلا يشهد شاهد الحق إلا بعد حضور الوثيقة التي فيها خطه ، كذا في كافي أبي عمر . ا هـ . وظاهر تقرير الشارح أن قوله كوثيقة إلخ مسألة واحدة القول فيها قول المدين إذا زعم ربها أنها سقطت ولم يقبض ما فيها ، وقال المدين بل أقبضته وامتنع شاهدها أن يشهد إلا بعد إحضارهما . ا هـ . وعلى كل حال ففيها إشكال لأن المدين مقر بالدين مدع قضاءه فعليه البيان للقضاء والله أعلم .

طفي لا إشكال لأن الإقرار به عارضه عدم وجود الوثيقة الدالة على قضاء الدين ، وذكر نص المتيطية عن الكافي المتقدم ثم قال فقد علمت أنه لا عبرة بإقراره بالدين لاستناده لما عليه أكثر الناس ، فلا إشكال لمن تأمل وأنصف ، ومعنى قول أبي عمر لم يشهد لا عبرة بشهادته لتصديق المشهود عليه فكأنه قال يصدق ، فأطلق لم يشهد تصديقه بدليل آخر كلامه ، وإلا فالشهادة هنا لا فائدة فيها لإقرار المشهود عليه بما تضمنته الوثيقة من شهادته .

ويمكن حمل قوله ولم يشهد شاهد إلا بها على غير فرض أبي عمر ، وأن صورة المسألة أن المشهود عليه منكر لأصل الدين ، ففي كتاب الاستغناء ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن أشهد في ذكر حق ثم ذكر أنه ضاع وسأل أن الشهود أن يشهدوا بما حفظوا فلا يشهدوا وإن كانوا حافظين لما فيه خوف أن يكون قد اقتضى ومحكي الكتاب ، فإن جهلوا وشهدوا بذلك قضى به . وقال مطرف بل يشهدون بما حفظوا إن كان الطالب مأمونا وإن لم يكن مأمونا فقول ابن الماجشون أحب إلي والله سبحانه تعالى أعلم .




الخدمات العلمية