الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن ابتاع ) شخص ( أرضا بزرعها الأخضر ) [ ص: 497 ] ( فاستحق نصفها ) منه ( فقط ) دون الزرع ( و استشفع ) المستحق أي أخذ النصف الآخر بالشفعة ( بطل البيع في نصف الزرع ) ، وهو الكائن في النصف المستحق ( لبقائه بلا أرض ) ويرجع للبائع وبطل أيضا البيع في النصف المستحق لبيان أن البائع لا يملكه وسكت عنه لوضوحه وبقي نصف الزرع الكائن في النصف المأخوذ بالشفعة للمبتاع على الراجح .

وقيل يرد للبائع أيضا فيكون الزرع كله للبائع كما أن الأرض كلها تصير لمستحق النصف لكن البطلان لا يتقيد بالاستشفاع خلافا لما يوهمه المصنف ، وأجيب بأنه صرح به لئلا يتوهم أنه إذا استشفع بطل البيع في الزرع جميعه كما هو ظاهر المدونة فبين به أنه يبطل في النصف خاصة كما حملت عليه المدونة فلو قال المصنف ، وإن استشفع بالمبالغة كان ، أولى ، وشبه في البطلان قوله ( كمشتري قطعة من جنان بإزاء جنانه ليتوصل له ) أي لما اشتراه ( من جنان مشتريه ) إظهار في محل الإضمار فالأولى من جنانه أي المشتري .

( ثم استحق جنان البائع ) صوابه المشتري كما في نسخة فإن البيع يبطل في القطعة المشتراة لبقائها بلا ممر يتوصل لها منه ولو قال ليصل لها من جنانه ، ثم استحق لكان أخصر ، وأبين ، ثم تمم مسألة الأرض المبيعة بزرعها الأخضر بقوله ( ورد البائع ) على المشتري ( نصف الثمن ) ; لأن الأرض استحق نصفها فبطل البيع فيه وفي نصف زرعها ( وله ) أي للبائع ( نصف الزرع ) الذي بغير أرض ( وخير الشفيع ) المستحق ( أولا ) أي قبل تخيير المشتري ( بين أن يشفع ) أي يأخذ النصف الآخر بالشفعة [ ص: 498 ] فتكون الأرض كلها له ونصف الزرع في النصف المستحق للبائع ونصفه الآخر للمبتاع على الراجح كما قدمناه وعلى البائع كراء نصف الأرض المستحقة إن كان الإبان حين الأخذ بالشفعة باقيا ; لأن الزرع وقع بوجه شبهة فإن فات الإبان فلا كراء عليه ، وأما المشتري فلا كراء عليه في نظير النصف الآخر ( أو لا ) يشفع ( فيخير المبتاع في رد ما بقي ) لبائعه ، وأخذ بقيمة ثمنه وفي التماسك بنصف الأرض بزرعها فلا يأخذ بقيمة الثمن والله أعلم

التالي السابق


( قوله بزرعها الأخضر ) لا مفهوم للزرع ، بل مثله البذر ; لأن حكمه حكم الزرع عند المصنف من عدم الشفعة فيه فإذا اشترى أرضا مبذورة ، ثم استحق نصف الأرض فقط أخذ المستحق النصف الآخر منها بالشفعة بما ينويه من الثمن [ ص: 497 ] بدون بذر .

وأما على مقابله أعني القول بالشفعة في الزرع ، والبذر تبعا للأرض فيأخذه الشفيع مبذورا بجميع الثمن ، ومفهوم الأخضر أنه لو ابتاع أرضا بزرعها اليابس فاستحق نصفها ، وأخذ الشفيع النصف الثاني بالشفعة كان البيع صحيحا في الزرع لصحة بيع الزرع استقلالا بعد يبسه وكذا إن لم يحصل الاستحقاق حتى يبس ما ابتاعه أخضر مع الأرض ( قوله فاستحق نصفها ) مفهوم نصفها أنه لو استحق جلها فإنه يتعين رد الباقي لبائعه وحينئذ فليس للمستحق أخذ ذلك الباقي فالشفعة قاله عبق ورده بن بأن حرمة التمسك بالأقل إنما هو في استحقاق المعين لا الشائع كما هنا ، إذ فيه يخير المشتري كما مر في الخيار ، وحينئذ فلا فرق هنا بين استحقاق النصف والأكثر ، فكان الأولى للمصنف أن يقول فاستحق بعضها ( قوله في النصف ) أي في نصف الأرض المستحق .

والحاصل أن البيع بطل في نصف الأرض المستحق وفي الزرع الذي فيه ( قوله لبقائه بلا أرض ) أي وقد علمت أن الزرع الأخضر لا يجوز بيعه منفردا عن الأرض على التبقية ( قوله ويرجع ) أي نصف الزرع الذي بطل بيعه لبائعه وحينئذ فيلزمه أجرة نصف الأرض المستحق لبقاء زرعه فيه ( قوله وبقي نصف الزرع الكائن في النصف المأخوذ بالشفعة للمبتاع ) أي أنه لا يبطل البيع فيه وحينئذ فلا يرد للبائع ، بل يبقى للمشتري على الراجح ولا يلزمه كراء نصف الأرض المأخوذ بالشفعة الذي فيه زرعه ; لأنه كالغلة ( قوله وقيل يرد للبائع أيضا ) أي ، وهو ضعيف ، وإن اقتضاه تعليل المصنف ( قوله فيكون الزرع كله للبائع ) أي فعليه للمستحق كراء النصف المستحق من الأرض دون ما أخذ بالشفعة فإنه لا كراء له ، ومحل لزوم كراء النصف المأخوذ بالاستحقاق إذا كان الاستحقاق في إبان الزراعة ، وإلا فلا كراء له أيضا ( قوله لكن البطلان ) أي بطلان البيع في نصف الزرع الكائن في نصف الأرض المستحق ( قوله لا يتقيد بالاستشفاع ) أي ، بل البيع فيه باطل سواء أخذ المستحق النصف الثاني بالشفعة أم لا .

( قوله خلافا إلخ ) أي لأن قوله واستشفع بطل إلخ يقتضي أن البطلان إنما يكون إذا استشفع ، وإلا فلا ا هـ .

، ثم إن هذا إنما يرد بناء على أن المراد بقول المصنف واستشفع أي أخذ بالشفعة بالفعل أما إن قلنا إن معناه واستحق الأخذ بالشفعة أخذ بها بالفعل أولا فلا يرد هذا الاعتراض أصلا ( قوله كمشتري قطعة ) يصح قراءته بالإضافة وبالتنوين وقوله من جنان أي من جنان شخص آخر ( قوله فالأولى من جنانه ) أي من جنان نفسه ( قوله صوابه المشتري ) أي ; لأن جنان البائع إذا استحقت فالبطلان لذاته لا لعدم الممر الموصل لما اشتري ( قوله ورد إلخ ) الحاصل أنه إذا استحق نصف الأرض بطل البيع فيه وفي زرعه وحينئذ فيلزم البائع أن يرد للمشتري نصف الثمن وخير المستحق أولا إما أن يأخذ النصف الثاني بالشفعة ، أو لا ، فإن أخذه بالشفعة كانت الأرض كلها له وكان الزرع الذي في النصف المستحق للبائع فيلزمه أجرة الأرض التي هو فيها والزرع الذي في النصف المأخوذ بالشفعة قيل إنه للمشتري بما يخصه من الثمن ، وهو الراجح وقيل إنه يرد للبائع أيضا وعلى كل لا يلزم أجرة أرضه للمستحق ، وإن لم يأخذه بالشفعة خير المشتري بين رد ما بقي من الأرض ، والزرع للبائع وأخذ بقية ثمنه .

وأما أن يتماسك بنصف الأرض وزرعها فلا يأخذ بقيمة الثمن ( قوله وله نصف الزرع ) هذا تصريح بما علم من قوله بطل البيع إلخ ; لأنه إذا بطل البيع في نصف الزرع كان للبائع ( قوله الذي بغير أرض ) أي الذي في نصف الأرض المستحق ( قوله وخير الشفيع أولا ) .

[ ص: 498 ] أفاد المصنف بهذا بعد قوله واستشفع أن هنا تخييرين أحدهما سابق على الآخر وهذا لا يفيده قوله سابقا واستشفع فأتى بها هنا لزيادة الفائدة ، وهو أنه مخير في الأخذ بالشفعة وعدم الأخذ وأن قوله أولا واستشفع معناه إن شاء لا أنه على سبيل التحتم وبهذا سقط ما قيل إن قوله واستشفع مناف لقوله هنا وخير الشفيع ; لأن المتبادر منه تحتم الاستشفاع ، وهو ينافي ما هنا من التخيير ا هـ .

( فرع ) إذا باع الشريك حصته من شائع على اسمه من نصيبه فلشريكه إمضاء فعله وله أن يدخل معه في الثمن وله أن يأخذ بالشفعة وله أن يقاسم انظر ح ( قوله حين الأخذ إلخ ) الأولى حين الاستحقاق كما في بن ( قوله فلا كراء عليه ) أي ; لأن الشفعة بيع ، ومن زرع أرضا وباعها دون زرعها فلا كراء عليه




الخدمات العلمية