الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ فروع ]

لا يحل كتمان العيب في مبيع أو ثمن ; لأن الغش حرام إلا في مسألتين .

الأولى : الأسير إذا شرى شيئا ثمة ودفع الثمن مغشوشا جاز إن كان حرا لا عبدا . الثانية : يجوز إعطاء الزيوف والناقص في الجبايات أشباه . [ ص: 48 ] وفيها : رد البيع بعيب بقضاء فسخ في حق الكل إلا في مسألتين :

إحداهما : لو أحال البائع بالثمن ثم رد المبيع بعيب بقضاء لم تبطل الحوالة ، الثانية : لو باعه بعد الرد بعيب بقضاء من غير المشتري وكان منقولا لم يجز قبل قبضه ، ولو كان فسخا لجاز وفي البزازية : شرى عبدا فضمن له رجل عيوبه فاطلع على عيب ورده لم يضمن ; لأنه ضمان العهدة ، وضمنه الثاني ; لأنه ضمان العيوب ، وإن ضمن السرقة أو الحرية أو الجنون أو العمى فوجده كذلك ضمن الثمن . [ ص: 49 ] وفي جواهر الفتاوى : شرى ثمرة كرم ولا يمكن قطافها لغلبة الزنابير ، إن بعد القبض لم يرده ، وإن قبله ، فإن انتقص المبيع بتناول الزنابير فله الفسخ لتفرق الصفقة عليه : .

التالي السابق


مطلب في جملة ما يسقط به الخيار [ تنبيه ] قال في البحر ، وإلى هنا ظهر أن خيار العيب يسقط بالعلم به وقت البيع ، أو وقت القبض أو الرضا به بعدهما أو اشتراط البراءة من كل عيب ، أو الصلح على شيء أو الإقرار بأن لا عيب به إذا عينه كقوله ليس بآبق فإنه إقرار بانتفاء الإباق ، بخلاف قوله ليس به عيب كما مر . ا هـ ملخصا ( قوله ; لأن الغش حرام ) ذكر في البحر أو الباب بعد ذلك عن البزازية عن الفتاوى : إذا باع سلعة معيبة ، عليه البيان وإن لم يبين قال بعض مشايخنا يفسق وترد شهادته ، قال الصدر لا نأخذ به . ا هـ . قال في النهر : أي لا نأخذ بكونه يفسق بمجرد هذا ; لأنه صغيرة . ا هـ

قلت : وفيه نظر ; لأن الغش من أكل أموال الناس بالباطل فكيف يكون صغيرة ، بل الظاهر في تعليل كلام الصدر أن فعل ذلك مرة بلا إعلان لا يصير به مردود الشهادة ، وإن كان كبيرة كما في شرب المسكر ( قوله الأولى الأسير إذا شرى شيئا إلخ ) عبارة الأشباه عن الولوالجية : اشترى الأسير المسلم من دار الحرب ودفع الثمن إلخ والمتبادر منه أن الأسير فاعل الشراء كما هو صريح عبارة الشارح ، وليس كذلك بل هو مفعوله ; لأن نص عبارة الولوالجية هكذا : رجل اشترى الأسير من أهل الحرب وأعطاهم الزيوف والستوقة أو اشترى بعروض وأعطاهم العروض المغشوشة جاز ; لأن شراء الأحرار ليس بشراء ليجب عليه المال المسمى لكنه طريق لتخليصهم فكيفما استطاع تخليصهم له أن يفعل . وعلى هذا قالوا إذا اضطر المرء إلى إعطاء جعل العوان أجزأه أن يعطيه الزيوف والستوقة وينقص الوزن بدليل مسألة الأسير ، وهذا إذا كان الأسراء أحرارا ، فإن كانوا عبيدا لا يسعه شيء من ذلك إذا دخل بأمان . ا هـ ومثله في الخانية : رجل اشترى الأسراء من أهل الحرب جاز له أن يعطيهم الزيوف والمغشوش ; لأن شراء الأحرار لا يكون شراء حقيقة وإن كان الأسراء عبيدا لا يسعه ذلك . ا هـ ( قوله في الجبايات ) جمع جباية [ ص: 48 ] بالباء الموحدة قال في فتح القدير : الجبايات الموظفة على الناس ببلاد فارس على الضياع وغيرها للسلطان في كل يوم أو شهر أو ثلاثة أشهر فإنها ظلم بيري . ونقل قبله ما قدمناه آنفا عن الولوالجية من مسألة جعل العوان ( قوله فسخ في حق الكل ) أي المتبايعين وغيرهما وقد ذكر ذلك في البحر عند قول الكنز ولو باع المبيع فرد عليه إلخ ثم أورد على ذلك مسائل منها مسألة الحوالة المذكورة ومنها أنه لو كان المبيع عقارا فرد بعيب لم يبطل حق الشفيع في الشفعة ، ولو كان فسخا لبطلت الحوالة والشفعة ثم ذكر أنه أجاب في المعراج بأنه فسخ فيما يستقبل لا في الأحكام الماضية بدليل أن زوائد المبيع للمشتري ولا يردها مع الأصل

قلت : وعليه فلا محل للاستثناء الذي ذكره الشارح تأمل . ( قوله لو أحال البائع بالثمن ) صورة المسألة كما في الذخيرة باع عبدا من رجل بألف درهم ثم إن البائع أحال غريما على المشتري حوالة مقدرة بالثمن فمات العبد قبل القبض حتى سقط الثمن أو رد العبد بخيار رؤية أو بخيار شرط أو خيار عيب قبل القبض أو بعده لا تبطل الحوالة استحسانا ; لأنها تعتبر متعلقة بمثل ما أضيفت الحوالة إليه من الدين فلا تكون متعلقة بعين ذلك الدين وتعتبر مطلقة إذا ظهر أن الدين لم يكن واجبا وقت الحوالة ، وقيد بما إذا أحال البائع ; لأنه إذا أحال المشتري البائع ثم رد المشترى بالعيب بقضاء فإن القاضي يبطل الحوالة بيري .

قلت : ولم يذكر أن المشتري أحال البائع على آخر حوالة مقيدة فظاهره أنها مطلقة مع أنه صرح في الجوهرة من الحوالة بأن المطلقة لا تبطل بحال ولا تنقطع فيها المطالبة مع أن المقيدة هنا بقيت ، والمطلقة بطلت ، لكن بقاء المقيدة هنا استحسان كما علمت والقياس بطلانها إذا ظهر بطلان المال الذي قيدت به وهو الثمن هنا ، وإنما بطلت المطلقة هنا لبطلان المال الذي كان للمحتال وهو البائع ، وإنما لا تبطل المطلقة ببطلان ما على المحال عليه ، تأمل ( قوله ثم رد المبيع ) بالبناء للمجهول أي رده المشتري على البائع ( قوله من غير المشتري ) أما لو باعه منه ثانيا جاز ط ، ولا يرد عليه ما سيذكره المصنف في فصل التصرف في المبيع والثمن من أنه لو باع المنقول من بائعه قبل القبض لم يصح ; لأن ذاك فيما إذا كان العقد الأول باقيا بدليل ما ذكره في باب الإقالة من أنها فسخ في حقهما فيجوز للبائع بيعه من المشتري قبل قبضه ( قوله وكان منقولا ) احتراز عن العقار لجواز بيعه قبل قبضه خلافا لمحمد و زفر ، أفاده ط ( قوله ; لأنه ضمان العهدة ) وهو باطل عند الإمام للاشتباه كما سيأتي في الكفالة - إن شاء الله تعالى - وهنا لما ضمن عيوبه يحتمل أن المراد أنه يداويه منهما ، ويحتمل أن يضمن له النقصان أو أنه يضمن له الرد على البائع من غير منازعة فلذا كان الضمان فاسدا ط ( قوله ; لأنه ضمان العيوب ) أي وهو عنده ضمان الدرك كما في الهندية فهو كالمسألة المذكورة بعد ط ( قوله ضمن الثمن ) أي للمشتري ولو مات عنده قبل أن يرده وقضى على البائع بنقصان العيب كان للمشتري أن يرجع على الضامن [ ص: 49 ]

مطلب في ضمان العيوب ولو ضمن له بحصة ما يجد من العيوب فيه من الثمن فهو جائز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ، فإن رده المشتري رجع على الضامن بذلك كما يرجع على البائع ذخيرة ( قوله لم يرده ) ; لأنه عيب حدث عند المشتري ط ( قوله وإن قبله ) أي وإن حصلت الغلبة قبل القبض ط ( قوله لتفرق الصفقة عليه ) أي بهلاك بعض المبيع قبل قبضه بآفة سماوية ، وقدمنا عن جامع الفصولين أنه يطرح عن المشتري حصة النقصان من الثمن ، وهو مخير في الباقي بين أخذه بحصته أو تركه ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية