الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          خاتمة البحث فيمن عارضوا القرآن :

                          نختم هذا البحث بكلمة فيمن حاولوا معارضة القرآن ، وقد كان من دأب علماء المسلمين إحصاء كل ما يبلغهم في الدين والعلم والأدب وتدوينه وعزوه إلى أهله ، حتى إن دعاة النصرانية يقرءون كتب علمائنا وينقلون منها كل طعن في الإسلام ويؤيدونه ، ويكتمون رد علماء المسلمين عليه أو يذكرون منه ما يرونه ضعيفا ويوردونه مورد الهزء والسخرية لتنفير ضعفاء العلم أو العقل من المسلمين عنه .

                          وقد أجمع رواة الآثار والتاريخ على أن فحول البلغاء من مشركي العرب لم تسم نفس أحد منهم إلى معارضة القرآن مع شدة حرصهم على صد الناس عن الإسلام ، وعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم - اللهم إلا أن بعضهم نقل عن ( مسيلمة الكذاب ) أنه عارض سورة ( الكوثر ) وهي أقصر سورة منه ليثبت لدى غوغائه أنه يوحى إليه كمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقال كما في التفسير الكبير للرازي وغيره :

                          " إنا أعطيناك الجماهر ، فصل لربك وهاجر ، إن مبغضك رجل كافر " .

                          وقد تعلق بهذا بعض دعاة النصرانية في رسالة له في الطعن على إعجاز القرآن ولكنه أوردها بألفاظ أخرى ، وزعم أنها فصيحة متناسبة المعنى ، بعد أن طعن في سورة ( الكوثر ) وزعم أنه سأل علماء المسلمين عن بلاغتها وإعجازها فلم يستطع أحد أن يجيبه ( وهو هو الذي نقلنا عنه معارضة سورة الفاتحة ص65 وهذه عباراته أو روايته :

                          " إنا أعطيناك الجواهر ، فصل لربك وجاهر ، ولا تعتمد قول ساحر " .

                          ولا شك أن هذا التغيير جاء من جاهل باللغة العربية الفصيحة ، ولا سيما لغة ذلك العصر ، وهو مع ذلك سخيف العقل ، فمن سخف عقله إتيانه بكلمة الجواهر هنا وترتيب الأمر بالصلاة على إعطائها ، وفرض هذا وحيا ( لمسيلمة ) المدعي للنبوة ، مع أنه لا يوجد نقل بأن الله أعطاه جواهر معروفة تذكر بلام التعريف ، ولا غير معينة ، فتذكر بلام الجنس ، ثم إنه لا مناسبة للأمر بالمجاهرة بالصلاة هنا وهي المشاركة في جهر الشيء أو الجهر بالقول ، [ ص: 189 ] وأما الفقرة الأخيرة فليست مما يقوله عربي قح لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ، إذ لم يكن عند العرب أقوال للسحرة تعتمد أو لا تعتمد إن صح أن يقال هذا ، وإنما السحرة أناس مفسدون محتالون فعالون لا قوالون .

                          ولو فرضنا أن هذه الألفاظ التي غيرها من السورة صحيحة ومناسبة للمقام ومقتضى الحال لما صح أن يكون بها معارضا لها بل مقلدا وناقلا فهو ضرب من الاقتباس مع التصرف ، كمن يغير قافية أبيات من الشعر بمعناها أو بمعنى آخر ، كقول الشاعر :


                          ما لمن تمت محاسنه أن يعادي طرف من رمقا

                              لك أن تبدي لنا حسنا
                          ولنا أن نعمل الحدقا

                              قدحت عيناك زند هوى
                          في سواد القلب فاحترقا



                          غيرت قوافيها لفظا لا معنى بالبداهة فقلت :


                          ما لمن تمت محاسنه     أن يعادى طرف من مقلا


                          لك أن تبدي لنا حسنا     ولنا أن نعمل المقلا


                          قدحت عيناك زند هوى     في سواد القلب فاشتعلا



                          " مقل " نظر بمقلته ، ثم غيرتها أيضا بكلمات : نظرا ، أو بصرا - النظرا - فاستعرا - فهل أكون بهذا معارضا للأصل ، وفي طبقة صاحبه من غزل الشعر ؟

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية