الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما قدم سبب القسامة ذكر تفسيرها بقوله ( وهي ) أي القسامة من البالغ العاقل ( خمسون يمينا متوالية ) فلا تفرق على أيام ، أو أوقات ( بتا ) أي قطعا بأن يقول بالله الذي لا إله إلا هو لمن ضربه مات ، أو لقد قتله واعتمد البات على ظن قوي ولا يكفي قوله أظن ، أو في ظني ( وإن أعمى ، أو غائبا ) حال القتل لاعتماد كل على اللوث المتقدم بيانه ( بحلفها في الخطإ من يرث المقتول ) من المكلفين ( وإن واحدا ، أو امرأة ) ولو أختا لأم وتوزع على قدر الميراث ; لأنها سبب في حصوله فإن لم يوجد إلا واحد ، أو امرأة في الخطإ حلف الجميع وأخذ حظه من سدس ، أو غيره وسقط ما على الجاني من الدية [ ص: 294 ] لتعذر الحلف من بيت المال .

( وجبرت اليمين ) إذا وزعت على عدد وحصل كسران ، أو أكثر ( على أكثر كسرها ) ولو كان صاحبه أقل نصيبا كبنت مع ابن فتحلف سبعة عشر يمينا ، وهو ثلاثة وثلاثين وكأم وزوجة وأخ لأم وعاصب على الزوجة اثنا عشر يمينا ونصف وعلى الأخ للأم ثمانية وثلث وعلى الأم ستة عشر وثلثان فتحلف بسبعة عشر ; لأن كسرها أكثر ويسقط الكسر الذي على الأخ للأم ويكمل كل من الزوجة ، والعاصب يمينه للتساوي ( وإلا ) بأن تساوت الكسور كثلاث بنين على كل ستة عشر وثلثان ( فعلى الجميع ) أي على كل منهم تكميل ما انكسر عليه ( ولا يأخذ أحد ) شيئا من الدية ( إلا بعدها ) أي بعد حلف جميعها ( ثم ) بعد حلف الحاضر جميع أيمان القسامة وكان بعضهم غائبا ، أو صبيا ( حلف من حضر ) من غيبته أي ، أو الصبي إذا بلغ ( حصته ) من أيمان القسامة فقط وأخذ نصيبه من الدية ( وإن ) ( نكلوا ) أي الورثة ( أو ) نكل ( بعض ) منهم حلف البعض الآخر جميع الأيمان وأخذ حصته فقط ( حلفت العاقلة ) أي عاقلة القاتل يحلف كل منهم يمينا واحدة ولو كثروا جدا ما لم يكونوا أقل من خمسين ، وإلا حلفوا الخمسين كل واحد ما ينوبه فإن لم يكن عاقلة حلف الجاني الخمسين وبرئ فإن نكل غرم ( فمن ) حلف من عاقلة الجاني برئ ولا غرم عليه .

ومن ( نكل ) منهم ( فحصته ) فقط من الدية [ ص: 295 ] يغرمها للناكلين من ورثة المقتول ( على الأظهر ) عند ابن رشد من أقوال خمسة ، وهو راجع لقوله ، وإن نكلوا إلخ ( ولا يحلف ) أيمان القسامة ( في العمد أقل من رجلين عصبة ) من النسب سواء ورثوا أم لا وأما النساء فلا يحلفن في العمد لعدم شهادتهن فيه فإن انفردن صار المقتول كمن لا وارث له فترد الأيمان على المدعى عليه ( وإلا ) يكن له عصبة نسب ( فموالي ) أعلون ذكور اثنان فأكثر لا أسفلون ولا أنثى ولو مولاة النعمة ; إذ لا دخل لها في العمد ( وللولي ) واحدا ، أو أكثر ( الاستعانة ) في القسامة ( بعاصبه ) أي عاصب الولي ، وإن لم يكن عاصب المقتول كامرأة قتلت ليس لها عاصب غير ابنها وله إخوة من أبيه فيستعين بهم ، أو ببعضهم ، أو يستعين بعمه مثلا فقوله بعاصبه أي جنس عاصبه واحدا ، أو أكثر ، واللام في للولي بمعنى على إن كان واحدا وللتخيير إن تعدد .

( وللولي فقط ) إذا استعان بعاصبه ( حلف الأكثر ) من حصته التي تنوبه بالتوزيع ( إن لم تزد ) الأيمان التي يحلفها ( على نصفها ) أي الخمسين فإن زادت على خمس وعشرين فليس له حلف الأكثر فلو وجد الولي عاصبا حلف كل خمسا وعشرين ولا يمكن من أكثر ، وإن وجد عاصبين ، أو أكثر وزعت عليهم وله فقط أن يزيد على ما ينوبه إلى خمسة وعشرين ولا يمكن من الزائد كما لا يمكن غيره أن يزيد على ما ينوبه بالتوزيع كما أشار له بقوله فقط يريد من نصيب الولي [ ص: 296 ] وأما من حصة مستعان به آخر فله ذلك ( ووزعت ) الأيمان على مستحق الدم فإن زادوا على خمسين اجتزأ منهم بخمسين ; لأن الزيادة على ذلك خلاف سنة القسامة ( واجتزئ ) في حلف جميعها ( باثنين طاعا من أكثر ) غير ناكلين ( ونكول المعين غير معتبر ) ; إذ لا حق له في الدم ( بخلاف ) نكول ( غيره ) من ، أولياء الدم فيعتبر إذا كانوا في درجة واحدة كبنين ، أو إخوة ( ولو بعدوا ) في الدرجة عن المقتول كبني عم إذا استووا درجة ولا عبرة بنكول أبعد مع أقرب فإن نكل بعض من يعتبر وسقط الدم ( فترد ) أيمان ( على المدعى عليهم ) بالقتل ( فيحلف كل ) منهم ( خمسين ) يمينا إن تعددوا ; لأن كل واحد منهم متهم بالقتل .

وإن كان لا يقتل بالقسامة إلا واحد فإذا كان المتهم واحدا حلفها ( ومن نكل حبس حتى يحلف ) ، أو يموت في السجن ( ولا استعانة ) لمن ردت عليه بغيره ولو واحدا ورجح بعضهم الاستعانة هنا أيضا كالولي ( وإن أكذب بعض ) أي بعض ، أولياء الدم ( نفسه ) بعد الحلف ، أو قبله ( بطل ) الدم فلا قود [ ص: 297 ] ولا دية ترد إن أخذت ( بخلاف عفوه ) أي البعض بعد القسامة ( فللباقي نصيبه من الدية ) وأما قبل القسامة فكالتكذيب فلا شيء لغير العافي .

( ولا ينتظر ) في القسامة ( صغير ) معه كبير مساو له في الدرجة فيقسم الكبير إذا تعدد ، أو يستعين بعاصبه ويقتل الجاني إثر القسامة ( بخلاف المغمى عليه والمبرسم ) فينتظران لقرب إفاقتهما ( إلا أن لا يوجد غيره ) أي غير الصغير من ولي ولا معين ويحتمل عود الضمير على الكبير ، وهو أقعد معنى أي إلا أن لا يوجد غير الكبير مع الصغير ( فيحلف الكبير حصته ) خمسا وعشرين من الآن ( والصغير ) حاضر ( معه ) ; لأنه أرهب في النفس وحضوره مع الكبير مندوب لا شرط ; لأن هذا منكر من أصله في المذهب ولا يؤخر حلف الكبير إلى بلوغ الصغير ويحبس المدعى عليه لبلوغ الصبي فيحلف خمسا وعشرين يمينا ويستحق الدم ما لم يعف فإن مات قبل البلوغ بطل الدم ( ووجب بها ) أي بالقسامة ( الدية في الخطإ ) على الوجه المتقدم ( و ) وجب بها ( القود في العمد من واحد ) متعلق بالقود ( تعين لها ) أي للقسامة بتعيين المدعي على جماعة استووا في العمد مع وجود اللوث يقولون لمن ضربه مات ولا يقولون لمن ضربهم ولا يقتل بها أكثر من واحد ولا غير معين لها .

ولما قدم أن القسامة سببها قتل الحر المسلم ذكر حكم مفاهيم ذلك بقوله ( ومن ) ( أقام شاهدا ) واحدا ( على جرح ) خطأ ، أو عمدا فيه شيء مقدر شرعا ( أو ) ( قتل كافر ، أو عبد ) عمدا ، أو خطأ كان القاتل مسلما ، أو عبدا أو لا ( أو جنين ) ألقته أمه ميتا ( حلف ) مقيم الشاهد يمينا ( واحدة ) في الجميع ( وأخذ الدية ) من الجاني [ ص: 298 ] ومراده بالدية المؤدى فيشمل دية الجرح ، والكافر وقيمة العبد وغرة الجنين فإن كان الجرح عمدا ليس فيه شيء مقدر اقتص فيه بالشاهد ، واليمين كما تقدم ( وإن ) ( نكل ) المدعى عن اليمين مع الشاهد ( برئ الجارح ) ومن معه ( إن حلف ) المدعى عليه من جارح ، أو غيره ( وإلا ) يحلف غرم ما وجب عليه في جميع الصور إلا في جرح العمد فإنه إن نكل فيه ( حبس ) فإن طال حبسه عوقب وأطلق فعبارته توهم خلاف المراد ولما قدم أن الجنين كالجرح لا قسامة فيه فرع على ذلك قوله ( فلو ) ( قالت ) امرأة حامل ( دمي وجنيني عند فلان ) وماتت ( ففيها القسامة ) ; لأن قولها لوث ( ولا شيء في الجنين ولو استهل ) ; لأنه إن لم يستهل ، فهو كالجرح لا قسامة فيه ، وإن استهل ، فهو بمنزلة قولها قتلني فلان وقتل فلانا معي وذلك ملغى في فلان .

التالي السابق


( قوله متوالية ) أي في نفسها ; لأنه أرهب وأوقع في النفس فلا تفرق على الأيام ولا في أوقات ولكن في العمد يحلف هذا يمينا ، وهذا يمينا حتى تتم أيمانها ولا يحلف واحد جميع حظه قبل حظ أصحابه ; لأن العمد إذا نكل فيه واحد بطل الدم ، وإذا بطل بنكول واحد فلو حلف كل حصته ونكل ذاك ذهبت أيمانهم بلا فائدة فلذا قلنا هذا يمينا ، وهذا يمينا وأما في الخطإ فيحلف كل واحد جميع ما ينوبه قبل حلف أصحابه ; لأن من نكل لا يبطل على أصحابه ولكن في العمد إن وقع وحلف كل ما ينوبه قبل أصحابه صح ، لكن في ابن مرزوق لم أقف على قيد التوالي لأحد غير ابن شاس وابن الحاجب وتبعهما المصنف انظر بن ( قوله : بتا ) أي لا على نفي العلم ( قوله : واعتمد البات ) أي الحالف بتا في جزمه في اليمين ( قوله : على ظن قوي ) أي ناشئ من قرائن الأحوال .

( قوله : ولا يكفي قوله أظن ) أي لا يكفي قوله بالله الذي لا إله إلا هو أظن أنه مات من ضربه ، أو أنه مات من ضربه في ظني ، أو لا أعلم أن أحدا قتله غير هذا ( قوله ، وإن أعمى ، أو غائبا ) أي ، وإن كان الولي الحالف أعمى ، أو كان غائبا ( قوله : لاعتماد كل على اللوث إلخ ) أي ، والعلم كما يحصل بالمعاينة يحصل بسماع الخبر وحينئذ ، فالغيبة ، والعمى لا يمنعان حصول العلم ( قوله : وتوزع إلخ ) أي إذا [ ص: 294 ] تعدد الوارث ( قوله : لتعذر الحلف من بيت المال ) فيه أن المراد ببيت المال الشخص المتولي عليه ، وهذا لا يتعذر حلفه ، فالأولى أن يقول ولا يطالب متولي بيت المال بالحلف ; لأن القاعدة أن الشخص لا يحلف ليستحق غيره ومتولي بيت المال إنما يحوز لغيره .

( قوله وجبرت اليمين إلخ ) هذا أعني قوله وجبرت إلى قوله فعلى الجميع كالتخصيص لقوله ، وهي خمسون يمينا أي ما لم يكن كسر ، وإلا فتزيد في بعض الصور وذلك إذا تساوت الكسور .

( قوله : على أكثر كسرها ) أي على ذي أكثر ( قوله : كبنت مع ابن ) أي فعلى الابن ثلاثة وثلاثون وثلث وعلى البنت ستة عشر وثلثان فتحلف سبعة عشر يمينا ، والغبن ثلاثة وثلاثون كما قال الشارح ، وهذا مثال لما إذا وزعت الأيمان على عدد وحصل فيها كسران ( قوله : وكأم ) أي للمقتول وزوجة وأخ لأم وعاصب هذا مثال لما إذا وزعت الأيمان على عدد وحصل فيها كسور ( قوله : على الزوجة اثنا عشر يمينا ونصف ) أي ، وهي ربع أيمان القسامة وعلى الأخ للأم ثمانية وثلث أي ، وهي سدسها وعلى الأم ستة عشر وثلثان أي ، وهي ثلثها وما بقي من أيمان القسامة وذلك اثنا عشر ونصف يحلفه العاصب ( قوله : فتحلف ) أي الأم سبعة عشر إلخ وقوله ويسقط الكسر الذي على الأخ أي ; لأنه تكملة لكسر الأم وقد كملته .

( قوله : ويكمل كل من الزوجة ، والعاصب يمينه ) أي ; لأن كلا من نصف الزوجة ونصف العاصب يكمله صاحبه ; لأنهما كسران متساويان من يمين واحدة كما أن كسري الأم ، والزوج للأم من يمين واحدة أخرى ، فالانكسار وقع في يمينين في هذا المثال ، والحاصل أن الانكسار إذا وقع في يمينين فكل يمين ينظر لها على حدتها فمتى كان فيها كسور مختلفة بالقلة ، والكثرة كمل أكثرها وترك أقلها ومتى كانت كسورها متساوية كمل كل من كسورها ، وكذا إذا وقع الانكسار في يمين واحدة فإنه يكمل كل من كسورها إذا كانت متساوية فإن لم تستو كمل الأكثر ويسقط ما عداه ولو تعدد كمثال المدونة ففيها إن لزم واحدا نصف اليمين وآخر ثلثها وآخر سدسها حلفها صاحب النصف فصورت ببنت وأم وزوج وعاصب وبيانه أن على الأم سدس الأيمان ، وهو ثمانية وثلث وعلى الزوج الربع اثنا عشر ونصف وعلى العاصب نصف السدس أربعة أيمان وسدس فيكمل النصف على الزوج ويسقط الكسران ، وهما الثلث ، والسدس عن الأم ، والعاصب ; لأن الانكسار إنما وقع في يمين واحدة .

( قوله : أي على كل منهم تكميل ما انكسر عليه ) أي فيحلف كل واحد منهم سبعة عشر يمينا في مثاله ولو كان للميت ثلاثون ابنا كان على كل واحد يمين وثلثا يمين فيحلف كل واحد منهم بيمينين ، فالجملة ستون يمينا بجبر الكسور كلها لتساويها .

( قوله : أي بعد حلف جميعها ) أي من الورثة الحاضرين ، أو ممن كان حاضرا منهم لو غاب بعضهم وذلك ; لأن العاقلة لا يلزمها شيء من الدية إلا بعد ثبوت الدم ، وهو لا يثبت إلا بعد حلف جميعها ( قوله : حلف من حضر حصته ) أي ما ينوبه من أيمان القسامة فقط وأخذ نصيبه من الدية وظاهره ولو رجع الأول عن دعوى الدم ، وهو كذلك كما في نقل ابن عرفة ; لأن حلفه قبل ذلك حكم مضى فإن مات الغائب ، أو الصبي قبل قدومه وبلوغه وكان الحالف الذي حلف جميع أيمانها قبل ذلك وارثه ، فهل لا بد من حلفه ما كان يحلفه مورثه ، أو يكتفي بأيمانه السابقة قولان رجح ابن رشد ثانيهما كما في بن ( قوله : وإن نكلوا ) أي ورثة المقتول خطأ ( قوله : ولو كثروا جدا ) أي كعشرة آلاف مثلا .

( قوله غرم ) أي حصته إن وجد بيت المال الذي يغرمها معه ، وإلا غرم الدية بتمامها وما غرمه الجاني يكون للناكلين من ورثة المقتول واعلم أن محل حلف العاقلة إذا نكل جميع الورثة ، أو بعضهم مقيد بما إذا لم يكن على المقتول [ ص: 295 ] دين ولا وصية له أما إذا كان عليه دين ، أو له وصية فلرب الدين ، أو الموصى له عند نكول الأولياء حلف أيمان القسامة وأخذ دينه ، أو الوصية من العاقلة كما نص على ذلك ابن فرحون في التبصرة ولا يلزمها ما زاد على الدين ، أو الوصية من باقي الدية للورثة الناكلين .

( قوله : يغرمها للناكلين ) أي سواء كانوا كل الورثة ، أو بعضهم بأن حلف بعضهم ونكل بعضهم وأما من حلف جميعها وأخذ حصته فلا يدخل ثانيا فيما رد على الناكلين بسبب نكول العاقلة كلا ، أو بعضا ( قوله : وهو راجع إلخ ) أي أن قول المصنف على الأظهر راجع لقوله ، وإن نكلوا ، أو بعض حلفت العاقلة ; لأنه محل الخلاف ، والاستظهار وليس راجعا لقوله ومن نكل فحصته وعبارة ابن رشد فإن نكل الأولياء عن الأيمان ، أو نكل واحد منهم ففي ذلك خمسة أقوال أحدها أنها ترد الأيمان على العاقلة فيحلفون كلهم ولو كانوا عشرة آلاف ، والقاتل كواحد منهم فمن حلف لم يلزمه شيء ومن نكل لزمه ما يجب عليه ، وهو أحد قولي ابن القاسم ، وهذا القول أبين الأقاويل وأصحها في النظر الثاني يحلف من العاقلة خمسون رجلا كل واحد منهم يحلف يمينا فإن حلفوا برئت العاقلة من الدية كلها ، وإن حلف بعضهم برئ ولزم بقية العاقلة الدية كلها حتى يتموا خمسين يمينا ، وهو قول ابن القاسم الثالث أنهم إن نكلوا فلا حق لها ، أو نكل بعضهم فلا حق لمن نكل ولا يمين على العاقلة ; لأن الدية لم تجب لهم إلا إذا حلفوا ، وهو قول ابن الماجشون الرابع أن اليمين ترد على المدعى عليه وحده فإن حلف برئ ، وإن نكل غرم ولا يلزم العاقلة بنكوله شيء ; لأن العاقلة لا تحمل الإقرار ، والنكول كالإقرار ، وهو رواية ابن وهب الخامس أن الأيمان ترد على العاقلة فإن حلفت برئت ، وإن نكلت غرمت نصف الدية قاله ربيعة ا هـ بن .

( قوله : عصبة ) أي للمقتول ، أو عصبة له ولعاصب المقتول بدليل قول المصنف وللولي الاستعانة بعاصبه ( قوله : سواء ورثوا أم لا ) الأول كأخوين للمقتول ولا وارث له غيرهما ، والثاني كمعين للمقتول ، والحال أنه يرثه بنت وأخت مثلا ( قوله فإن انفردن ) أي ، أو كان له عاصب واحد ولم يجد من يستعين به ، أو وجد ، لكن لم يحلف ذلك المستعان به .

( قوله : فترد الأيمان على المدعى عليه ) أي فإن حلف برئ ، وإلا حبس حتى يحلف ولو طال سجنه ( قوله : فموالي أعلون ) المراد بالموالي الأعلون معتق القتيل وعصبته وأشار الشارح بقوله اثنان فأكثر إلى أن مراد المصنف بالجمع ما فوق الواحد فيحلف الاثنان ، أو الأكثر أيمان القسامة بتمامها وما ذكره المصنف من الترتيب بين عصبة النسب ، والموالي لا يخالف قول الموطإ قال مالك في الرجل يقتل عمدا إذا قام عصبة المقتول ، أو مواليه فقالوا نحلف ونستحق دم صاحبنا فذلك لهم ا هـ ; لأن كون الموالي لهم التكلم لا ينافي تأخيرهم عن عصبة النسب فليس المراد بقوله فذلك لهم أي على وجه الاستواء في الحكم بل المراد على طريق البدلية المقيدة بالترتيب .

( قوله وللولي الاستعانة بعاصبه ) هذا في العمد وأما في الخطإ فيحلفها ، وإن واحدا بشرط كونه وارثا ، والحاصل أنه لا يحلفها في الخطإ إلا الورثة ذكورا كانوا ، أو إناثا اتحد الوارث ، أو تعدد وأما في العمد فلا يحلفها إلا العدد من العصبة سواء كانوا كلهم عصبة المقتول ، أو بعضهم عصبة المقتول ، والبعض عصبة عصبة المقتول سواء كان عاصب المقتول وارثا له ، أو غير وارث له .

( قوله : فيستعين بهم ، أو ببعضهم ، أو يستعين بعمه ) هذا لا يخالف قولهم الإنسان لا يحلف ليستحق غيره ; لأن قولهم المذكور في الأموال وقول المصنف وللولي الاستعانة بعاصبه ولو أجنبيا من المقتول في الدماء ( قوله : إن كان واحدا ) أي ; لأن الولي إذا كان واحدا كانت استعانته بعاصبه واجبة ، وإن كان الولي متعددا جاز لذلك المتعدد أن يحلف جميع أيمان القسامة ولا يستعين بأحد وجاز له أن يستعين بعاصبه في حلفها .

( قوله : وللولي فقط إذا استعان بعاصبه إلخ ) حاصله أن الولي إذا استعان بعصبته فإنه يجوز له أن يحلف [ ص: 296 ] من أيمان القسامة أكثر من غيره إن لم تزد الأيمان التي يحلفها على نصف القسامة فإذا وجد الولي عاصبا فقط من عصبته حلف كل واحد منهما خمسة وعشرين يمينا فإن أراد أحدهما أن يحلف أكثر من حصته لم يكن له ذلك ، وإن وجد رجلين ، أو أكثر قسمت الأيمان بينهم على عددهم فإن أرادوا أن يحملوا عنه أكثر مما يخصهم لم يجز ، وإن أراد هو أن يحمل منها أكثر مما يخصه فذلك له ، وإن لم يرضوا بشرط أن لا يزيد عن خمسة وعشرين ; إذ لا يجوز أن يحلف أكثر منها ، وهذا كله إذا استعان بعاصبه وأما إذا لم يكن هناك استعانة بأن كانوا كلهم عصبة للمقتول فليس لواحد منهم أن يحلف أكثر مما يخصه إلا أن يرضى الباقي بشرط أن لا يزيد على نصفها خمسة وعشرين .

( قوله : وأما من حصة مستعان به آخر ) أي فيما إذا كان المستعان بهم اثنين ، أو أكثر فله ذلك فإذا استعان الولي باثنين فللولي سبعة عشر يمينا ولكل منهما سبعة عشر ولهما أن يحلف أحدهما عشرين ، والثاني أربعة عشر وظاهر قول الشارح فله ذلك ولو لم يرض المستعان به الآخر وانظر هل هو كذلك ، أو لا بد من رضاه ا هـ تقرير شيخنا عدوي ( قوله على مستحق الدم ) أي على عدد الرءوس ، وهذا في العمد وأما في الخطإ فتوزع على قدر الإرث ( قوله : اجتزئ منهم بخمسين ) فإذا طلب كل واحد منهم الحلف دخلت القرعة فيمن يحلفها منهم عند المشاحة ( قوله : خلاف سنة القسامة ) أي من تحديدها بالخمسين ، والتحديد بذلك تعبدي ( قوله : غير ناكلين ) أي حالة كون الأكثر غير ناكلين .

وحاصل الفقه أن أولياء المقتول إذا كانوا أكثر من اثنين ، والحال أنهم في درجة كإخوة ، أو أعمام فطاع منهم اثنان يحلف جميع أيمان القسامة فإنه يجتزئ بذلك الشرط أن يكون الذي لم يحلف غير ناكل فلو كان ناكلا بطل الدم ولا يجتزي بحلف من أطاع ، والموضوع أن الجميع في درجة واحدة ، وإلا فلا عبرة بنكول من نكل إن كان بعيدا ، وإن كان الناكل قريبا بطل الدم ( قوله : ونكول المعين ) أي ، وكذا تكذيبه ( قوله : غير معتبر ) أي وحينئذ فله إن وجد غيره أن يستعين به ، وإلا سقط الدم حيث كان الوالي واحدا فإن رجع المعين بعد نكوله ليحلف برضا الولي ، فالظاهر عدم تمكينه كما يفيده قول المصنف في الشهادات ولا يمكن منها إن نكل ( قوله : ولو بعدوا ) مبالغة في قوله بخلاف غيره ( قوله : ولا عبرة بنكول أبعد ) أي كابن عم وقوله مع أقرب أي كأخ ، أو عم أي مع إطاعة الأقرب بالحلف ( قوله : أو يموت في السجن ) هذا هو الذي استظهره المصنف في التوضيح خلافا لما في الجلاب من أنه إذا ردت الأيمان على المدعى عليهم ونكل منهم واحد فإنه يحبس حتى يحلف فإن طال حبسه بالزيادة عن سنة ضرب مائة وأطلق ما لم يكن متمردا ، وإلا خلد في السجن ( قوله : ولا استعانة لمن ردت عليه بغيره ولو واحدا ) أي بخلاف عاصب المقتول فإن له ذلك كما مر وعدم استعانة من ردت عليه هو قول مطرف واستظهره ابن رشد وعزاه لظاهر ما في المدونة من قول ابن القاسم وروايته عن مالك نقله ح وبه سقط اعتراض المواق وابن مرزوق على المصنف ا هـ بن ( قوله : ورجح بعضهم ) المراد به المواق وابن مرزوق ( قوله بعد الحلف ) أي بعد تمام حلف القسامة وقوله ، أو قبله أي قبل تمام حلف أيمان القسامة بأن كذب نفسه في دعواه أن هذا قاتل قبل الحلف أصلا ، أو كان التكذيب بعد حلف بعض الأيمان وقول المصنف ، وإن أكذب بعض إلخ أي ، والحال أن القسامة في عمد وأما إن كانت القسامة في خطإ وأكذب بعض نفسه بعد أن حلف حظه من الأيمان فيستحق غيره نصيبه من الدية بعد أن يحلف مقدار ما ينوبه من الأيمان فقط كما في ابن عرفة بناء على عدم إلغاء الأيمان الصادرة من المكذب نفسه ، وهو الظاهر ويحتمل أنه إنما يستحق بعد تتميمه الخمسين بناء على إلغاء أيمان المكذب نفسه وانظر إذا كذب بعض نفسه بعد القسامة ، والاستيفاء بالقود ، فهل يقتص ممن كذب نفسه ، أو حكمه حكم من رجع [ ص: 297 ] عن الشهادة فيغرم الدية ولو متعمدا ، وهو المستفاد من كلام بعضهم قاله عبق ( قوله ولا دية ) أي لواحد منهم ( قوله : وأما قبل القسامة ) أي وأما العفو قبل تمام القسامة ( قوله : فلا شيء لغير العافي ) أي ولا للعافي بالأولى ( قوله : ولا ينتظر صغير ) .

حاصله أن الأولياء إذا كانوا في درجة واحدة وفيهم صغير لا يتوقف عليه الثبوت للاستغناء عنه ولو بالاستعانة بأحد العصبة فإن ذلك الصغير لا ينتظر لا في القسامة ولا في القود بل للكبار أن يقسموا ويقتلوا .

( قوله : بخلاف المغمى عليه والمبرسم ) أي بخلاف ما إذا كان في الأولياء المتساوين في الدرجة مغمى عليه ، أو مبرسم أي لا يتوقف عليه الثبوت كما هو الموضوع للاستغناء عنه ولو بالاستعانة بأحد العصبة فإنهما ينتظران وظاهر المصنف أنهما ينتظران في حلف بعض القسامة ولو وجد من يحلف غيرهما كما هو الموضوع ، وهو غير صحيح لم يقل به أحد ; إذ لا معنى لانتظارهما مع وجود من يحلف غيرهما وحمله المواق وعج على الانتظار للقتل إذا أراده غيرهما ، وهو صواب إلا أنه تكرار مع قوله سابقا وانتظر غائب لم تبعد غيبته ومغمى ومبرسم انظر بن ( قوله أي غير الصغير ) يعني مع الكبير ( قوله : ولا معين ) أي فينتظر بلوغه إذا انتظر فيحلف الكبير إلخ .

( قوله : لا شرط ) أي في الاعتداد بأيمان الكبير ( قوله : لأن هذا ) أي حضور الصغير حين حلف الكبير منكر من أصله في المذهب فعلى فرض صحته يحمل على الندب ; إذ لا مقتضى للوجوب ويحتمل ; لأن هذا أي القول بالشرطية منكر من أصله في المذهب ، والاحتمال الأول أظهر ; لأنه المستفاد من كلام بعض الشراح ( قوله ولا يؤخر حلف الكبير إلى بلوغ الصغير ) أي بحيث يحلف هو وأخوه في وقت واحد لاحتمال موت الكبير ، أو غيبته قبل بلوغ الصغير فيبطل الدم ( قوله : فإن مات ) أي الصبي قبل البلوغ ولم يجد الكبير من يحلف معه وقوله بطل الدم أي وردت الأيمان على الجاني فإما أن يحلف ، أو يحبس ( قوله أي بالقسامة ) يعني على جميع المتهمين وذلك ; لأن القسامة في الخطإ تقع على جميع المتهمين وتوزع الدية على عواقلهم في ثلاث سنين كما مر وأما في العمد فيعينون واحدا من القاتلين ويقسمون عليه .

( قوله على جماعة استووا في العمد ) أي سواء اتحد نوع الفعل ، أو تعدد واختلف الحاصل أن المعتمد لا يقتل بالقسامة في العمد إلا واحد ولو تعدد نوع الفعل واختلف كما هو ظاهر المواق وأما ما قيل من أنه إذا تعدد نوع الفعل واختلف فيقتل بالقسامة أكثر من واحد ، فهو ضعيف انظر بن ومعلوم أن القسامة بلوث كقوله قبل موته قتلني فلان وفلان وأما مع ثبوت ما ذكر بالبينة فيقتلان معا اتفاقا بلا قسامة ( قوله : ولا غير معين ) أي ولا واحد غير معين ( قوله : خطأ ، أو عمدا ) الأولى قصره على الخطإ لقول المصنف حلف وأخذ الدية ; إذ جرح العمد إذا أقام به شاهدا حلف معه واقتص ( قوله فيه شيء مقدر شرعا ) أي كالجائفة ، والآمة ، والدامغة ( قوله كان القاتل ) أي لكل من الكافر ، والعبد ( قوله : أو لا ) أي بأن كان كافرا حرا ; لأنه لا يقتل بشاهد ويمين ( قوله : أو جنين ) أي أقام شاهدا على ضرب جنين حر عمدا ، أو خطأ وقد نزل ميتا وأما لو نزل الجنين حيا ومات بعد ذلك فإن شهد الشاهد أنه مات من ضربه خطأ ، فالدية بقسامة ، وإن شهد أنه مات من ضربه عمدا ، فالقود بقسامة .

( قوله يمينا واحدة إلخ ) هذا إذا كان مقيم الشاهد واحدا فإن تعدد ولي الكافر ، أو الجنين حلف كل واحد يمينا كما قال ابن عرفة ، والظاهر [ ص: 298 ] أن سيد العبد كذلك إذا تعدد ا هـ عبق ( قوله : ومراده بالدية إلخ ) أي فمراده بالدية اللغوية لا الشرعية ( قوله : وإن نكل المدعي ) أي مدعي الجرح وقتل الكافر ، والعبد ، والجنين ( قوله : ومن معه ) أي ، وهو المدعى عليه بقتل الكافر ، أو العبد ، أو الجنين وقوله إن حلف يمينا واحدة .

( قوله : وإلا يحلف ) أي هذا المدعى عليه ( قوله غرم ما وجب عليه في جميع الصور ) أي في غير حبس سنة ولا ضرب مائة ( قوله : عوقب وأطلق ) أي ما لم يكن متمردا ، وإلا خلد في السجن ( قوله : توهم خلاف المراد ) أي ; لأن ظاهر عبارته أن المدعى عليه إذا لم يحلف يحبس في جميع الصور ولا يغرم شيئا ( قوله : ولو استهل ) أي حيا ، ثم مات ( قوله : وذلك ملغى في فلان ) أي وذلك القول ملغى من المرأة في فلان بخلاف العدل المعاين للضرب إذا قال دمها ودم جنينها عند فلان فلا يكون لغوا بل إن كان خطأ كانت القسامة متعددة في النفس ، والجنين وتؤخذ دية المرأة ، والجنين .




الخدمات العلمية