الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: فجعلناها حصيدا فيه وجهان: أحدهما: ذاهبا.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: يابسا. كأن لم تغن بالأمس فيه أربعة تأويلات: أحدها: كأن لم تعمر بالأمس ، قاله الكلبي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: كأنه لم تعش بالأمس ، قاله قتادة ، ومنه قول لبيد: [ ص: 431 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وغنيت سبتا بعد مجرى داحس لو كان للنفس اللجوج خلود



                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: كأن لم تقم بالأمس ، ومن قولهم غني فلان بالمكان إذا أقام فيه ، قاله علي بن عيسى.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع كأن لم تنعم بالأمس ، قاله قتادة أيضا. قوله عز وجل: والله يدعو إلى دار السلام يعني الجنة. وفي تسميتها دار السلام وجهان: أحدهما: لأن السلام هو الله ، والجنة داره.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: لأنها دار السلامة من كل آفة ، قاله الزجاج . ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم في هدايته وجهان: أحدهما: بالتوفيق والمعونة.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: بإظهار الأدلة وإقامة البراهين. وفي الصراط المستقيم أربعة تأويلات: أحدها: أنه كتاب الله تعالى ، روى علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الصراط المستقيم كتاب الله تعالى) .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه الإسلام ، رواه النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ ص: 432 ] الثالث: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده أبو بكر وعمر ، قاله الحسن وأبو العالية .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: أنه الحق ، قاله مجاهد وقتادة . روى جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله يوما فقال: (رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي ، فقال أحدهما لصاحبه: أضرب له مثلا ، فقال: اسمع سمعت أذنك ، واعقل ، عقل قلبك ، إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارا ثم بنى فيها بيتا ثم جعل فيها مائدة ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه ، فالله الملك ، والدار الإسلام ، والبيت الجنة ، وأنت يا محمد الرسول فمن أجابك دخل في الإسلام ، ومن دخل في الإسلام دخل الجنة ، ومن دخل الجنة أكل مما فيها) ثم تلا قتادة ومجاهد . والله يدعو إلى دار السلام

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية