الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

ولما كان سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم أجل المطالب ، ونيله أشرف المواهب : علم الله عباده كيفية سؤاله ، وأمرهم أن يقدموا بين يديه حمده والثناء عليه ، وتمجيده ، ثم ذكر عبوديتهم وتوحيدهم ، فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم ، توسل إليه بأسمائه وصفاته ، وتوسل إليه بعبوديته ، وهاتان الوسيلتان لا يكاد يرد معهما الدعاء ، ويؤيدهما الوسيلتان المذكورتان في حديثي الاسم الأعظم اللذين رواهما ابن حبان في صحيحه ، والإمام أحمد و الترمذي .

أحدهما : حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال " سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو ، ويقول : اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك الله الذي لا إله إلا أنت ، الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، فقال : والذي نفسي بيده ، لقد سأل الله باسمه الأعظم ، الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى " قال الترمذي : حديث صحيح .

فهذا توسل إلى الله بتوحيده ، وشهادة الداعي له بالوحدانية ، وثبوت صفاته المدلول عليها باسم الصمد وهو كما قال ابن عباس : " العالم الذي كمل علمه ، القادر الذي كملت قدرته " ، وفي رواية عنه : " هو السيد الذي قد كمل فيه جميع أنواع السؤدد " ، وقال أبو وائل : " هو السيد الذي انتهى سؤدده " ، وقال سعيد بن جبير : هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله وأقواله ، وبنفي التشبيه والتمثيل عنه بقوله " ولم يكن له كفوا أحد " وهذه ترجمة عقيدة أهل السنة ، والتوسل بالإيمان بذلك ، والشهادة به هو الاسم الأعظم .

والثاني : حديث أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت ، المنان ، بديع السماوات والأرض ، ذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم ، فقال : لقد سأل الله باسمه الأعظم "فهذا توسل إليه بأسمائه وصفاته .

[ ص: 48 ] وقد جمعت الفاتحة الوسيلتين ، وهما التوسل بالحمد ، والثناء عليه وتمجيده ، والتوسل إليه بعبوديته وتوحيده ، ثم جاء سؤال أهم المطالب ، وأنجح الرغائب وهو الهداية بعد الوسيلتين ، فالداعي به حقيق بالإجابة .

ونظير هذا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو به إذا قام يصلي من الليل ، رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس " اللهم لك الحمد ، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد ، أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد ، أنت الحق ، ووعدك الحق ، ولقاؤك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والنبيون حق ، والساعة حق ، ومحمد حق ، اللهم لك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وإليك أنبت ، ولك خاصمت ، وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، أنت إلهي لا إله إلا أنت " فذكر التوسل إليه بحمده والثناء عليه وبعبوديته له ، ثم سأله المغفرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية