الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم انتشر ذلك بعده في أقطار العالم شرقا وغربا قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر ، وقد انقرض اليوم قريب من خمسمائة سنة فلم يقدر أحد على معارضته .

فأعظم بغباوة من ينظر في أحواله ثم في أقواله ثم في أفعاله ثم في أخلاقه ثم في معجزاته ثم في استمرار شرعه إلى الآن ثم في انتشاره في أقطار العالم ثم في إذعان ملوك الأرض له في عصره وبعد عصره مع ضعفه ويتمه ثم يتمارى بعد ذلك في صدقه .

وما أعظم توفيق من آمن به وصدقه واتبعه في كل ما ورد وصدر فنسأل الله تعالى أن يوفقنا للاقتداء به في الأخلاق والأفعال والأحوال والأقوال بمنه وسعة جوده .

تم كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة بحمد الله وعونه ومنه وكرمه، ويتلوه كتاب شرح عجائب القلب من ربع المهلكات إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


(ثم انتشر بعد ذلك بعده في أقطار العالم شرقا وغربا قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر ، وقد انقرض اليوم قريب من خمس مائة سنة) فإن تأليفه لهذا الكتاب كان قبل دخول القرن السادس ، وهذا على أن المراد بالقرن مائة سنة ، ومنهم من قال: القرن خمس وسبعون على ما نقله صاحب القوت ، (فلم يقدر أحد على معارضته) بلى قد رام قوم من أهل الزيغ والإلحاد أوتوا طرفا من البلاغة وحظا من البيان أن يصنعوا شيئا يعارضون به القرآن ، فلما وجدوه مكان النجم من يد المتناول مالوا إلى السور القصار كسورة الكوثر والنصر وأشباههما لوقوع الشبهة على الجهال لقلة عدد حروفه لأن العجز إنما يقع في التأليف والاتصال ، وممن رام ذلك من العرب بالتشبيه بالسور القصار مسيلمة الكذاب فقال: يا ضفدع نقي كم تنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين، لا الماء تكدرين ولا الشراب تمنعين ، فلما سمع أبو بكر رضي الله عنه هذا قال: إنه لكلام لم يخرج من إل. أي: من ربوبية .

وقال أيضا في معارضة "والنازعات": والبادرات زرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والحافرات حفرا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقما، لقد فضلتم على أهل الوبر وما سبقكم أهل المدر .

وقال أيضا: ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى، أخرج من بطنها نسمة تسعى، بين شراسيف وأحشا .

وقال أيضا: الفيل وما الفيل ، وما أدراك ما الفيل، له ذنب وثيل ومشفر طويل، وإن ذلك من خلق ربنا لقليل . وغير ذلك من الهذيان ففيها مع قلة الحروف من السخافة ما لا خفاء به على من لا يعلم فضلا عمن يعلم .

وحكي عن يحيى بن حكيم الغزالي وكان بليغ الأندلس في زمانه أنه قد رام شيئا من هذا فنظر في سورة الإخلاص ليحذو على مثالها وينسج بزعمه على منوالها فاعترته منه خشية ورقة حملته على التوبة والإنابة .

وحكي أيضا أن ابن المقفع وكان أفصح أهل وقته طلب ذلك ورامه، ونظم كلاما فجعله مفصلا وسماه سورا، فاجتاز يوما بصبي يقرأ في المكتب قوله تعالى: وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر الآية ، فرجع ومحا ما عمل وقال: أشهد أن هذا لا يعارض أبدا، وما هو من كلام البشر .

(فأعظم بغباوة) أي: جهل (من ينظر) بعين البصيرة (في أحواله) -صلى الله عليه وسلم- (ثم في أقواله ثم في أفعاله ثم في أخلاقه) وسجياته وشمائله (ثم في معجزاته) الكثيرة المشهورة، (ثم في استمرار شرعه إلى الآن ثم في انتشاره) وظهوره (في أقطار العالم) شرقا وغربا، (ثم في إذعان ملوك الأرض له) مع ما جبلوا عليه من الترفع وعدم لين الجانب (في عصره) -صلى الله عليه وسلم- (وبعد عصره مع ضعفه) أي: قلة شوكته (ويتمه) وأميته ، (ثم يتمارى بعد ذلك في صدقه) [ ص: 199 ] فيما يقول .

(وما أعظم توفيق من آمن به وصدقه) فيما جاء به (واتبعه) أي: سيرته وطريقته (في كل ورد وصدر) ، وفي كل صفو وكدر. (فنسأل الله تعالى أن يوفقنا للاقتداء به) والتأسي بطريقته (في الأخلاق) الموهوبة من ربه (والأفعال والأحوال والأقوال بمنه) تعالى وكرمه (وسعة جوده) وفضله (إنه) تعالى (سميع) النداء (مجيب) لمن دعا. وهذا آخر كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة ، تم بحمد الله تعالى وحسن توفيقه نصف الكتاب:


حمدت الله ربي إذ هداني * لما أبديت مع عجزي وضعفي ومن لي بالخطا فأرد عنه
* ومن لي بالقبول ولو بحرف



فرغ من تحرير هذا مسوده العبد العاجز أبو الفيض محمد مرتضى بن محمد الحسيني، غفر الله زلله، وأصلح خلله، وتقبل عمله، وبلغه أمله في ليلة الثلاثاء، ثالث ساعة منها، سلخ ذي القعدة الحرام ختام سنة 1199 ، حامدا لله ، ومصليا ، ومسلما ، ومستغفرا ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، ويتلوه: شرح عجائب القلب .




الخدمات العلمية