الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولم يخرج ساكن لغيره ، [ ص: 172 ] إلا بشرط أو سفر انقطاع أو بعيد .

التالي السابق


( و ) إن فضل المولى على الوقف على من لا يحاط بهم كبني زهرة أو قوم وأعقابهم بعضهم بالسكنى لشدة فقره ثم استغنى ف ( لا يخرج ) بضم التحتية وفتح الراء شخص [ ص: 172 ] ساكن ) فقير فضله المتولى بالسكنى في الحبس على من لا يحاط بهم كبني زهرة أو قوم وأعقابهم ثم استغنى ، وأما الحبس على الفقراء إذا سكنه فقير ثم استغنى فإنه يخرج لفقير آخر قاله ابن رشد ، لزوال الوصف الذي قصده الواقف بالتحبيس ( ل ) أجل سكنى فقير ( غيره إلا لشرط ) من المحبس أن من استغنى يخرج لغيره فيخرج عملا بشرطه فيها للإمام مالك " رضي الله عنه " من حبس دارا على ولد فسكنها بعضهم ولم يجد بعضهم فيها مسكنا ، فقال الذي لم يجد أعطوني من الكراء بحساب حقي فلا كراء له ولا أرى أن يخرج أحد لأحد ، ولكن من مات أو غاب غيبة بعيدة يريد المقام بالموضع الذي انتقل إليه استحق الحاضر مكانه .

وأما إن أراد السفر إلى موضع ثم يرجع فهو على حقه ، قال في كتاب محمد وله أن يكري منزله إلى أن يرجع وسمع عيسى ابن القاسم من حبس على قوم متفاوتين في الغنى والفقر اجتهد في ذلك يسكن فيها من يرى أو يكريها ، فيقسم كراءها بينهم ، ومن سبق فسكن فهو أولى ولا يخرج منها ابن رشد معناه في غير المعينين كتحبيسه على أولاده أو أولاد فلان ، ولو كان على معينين مسمين فلا يستحق السكنى من سبق إليه وهم فيه بالسوية حاضرهم وغائبهم قاله ابن القاسم محمد وغنيهم وفقيرهم سواء .

( أو ) ل ( سفر انقطاع ) ببلد آخر فيخرج ، ومفهوم انقطاع أنه سافر ليعود فلا يسقط حقه وله كراؤه حتى يعود ( أو ) لحصول سفر ( بعيد ) ابن رشد إن سافر ليعود فهو على حقه ، بخلاف ما إذا سافر لمحل بعيد يشبه الانقطاع أو يريد المقام في الموضع الذي سافر إليه . ( تنبيهات )

الأول : في التوضيح من سكن من أهل الحبس مع أبيه فبلغ ، فإن كان قويا يمكنه الانفراد فله مسكنه من الحبس ، وإن لم يتزوج إذا ضاق عليه مسكن أبيه وأما من ضعف عن الانفراد فلا مسكن له إلا أن يتزوج فله حقه في المسكن . وأما الإناث فلا مسكن لهن في كفالة الأب قاله عبد الملك في المجموعة . [ ص: 173 ]

الثاني : طفي جمع المصنف في قوله ومن لا يحاط بهم إلخ المسائل الثلاث في الحكم ، ثم فرع عليها قوله ولا يخرج ساكن إذا استغنى ، ولا يأتي تفريعه على من لا يحاط بهم لاقتضائه أنه إذا كان حبسا على الفقراء وسكن بعضهم ثم استغنى أنه لا يخرج لغيره وليس كذلك . ابن رشد في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من استحق مسكنا من حبس على الفقراء لفقره أخرج منه إن استغنى . ا هـ . وإن جعل قوله ولا يخرج ساكن مستأنفا غير مفرع على ما قبله يرد عليه أنه أطلق في محل التقييد ، وصنيع ابن الحاجب أحسن منه ; لأنه جعل مسألة تفضيل المتولي في الحبس المعقب ، وكذلك هي في كلام الأئمة في المجموعة وابن شاس وابن رشد وغير واحد ، ثم ذكر ابن الحاجب الخلاف في الحبس على ولده أو ولد ولده هل هو كالمعقب ، أو الغني والفقير سواء ، ثم فرع عليه ولم يخرج ساكن لغيره وإن غنيا ، ثم قال ومن وقف على من لا يحاط بهم فقد علم حمله على الاجتهاد . ا هـ . أي الأمر فيه ظاهر ، إذ كلام الأئمة وخلافهم في العتبية ، وبه تعلم أن اعتراض ابن عرفة على ابن الحاجب في قوله ولا يخرج ساكن لغيره بشموله للفقراء غير وارد عليه ; لأنه فصل وكأنه فهم أن قوله ولا يخرج إلخ مستأنف وليس كذلك والله أعلم .

البناني وفيه نظر ، بل التفريع على الثلاث فما فعله المصنف صواب ; لأن الحبس على من لا يحاط بهم كالمدرسة وكالحبس على بني زهرة مثلا إذا فضل المتولي أهل الحاجة منهم بالسكنى فلا يخرج لغيره ، وإن استغنى مثل المعقب كما دل عليه كلام ابن رشد وغيره وما تقدم عن ابن رشد من أنه يخرج لغيره إنما هو إذا زال الوصف الذي قصده المحبس كالفقر في الحبس على الفقراء ، وكطلب العلم في التحبيس على الطلبة ، والله أعلم .




الخدمات العلمية