الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الركن الثاني .

وهو المشفوع فيه .

اتفق المسلمون على أن الشفعة واجبة في الدور ، والعقار ، والأرضين كلها ، واختلفوا فيما سوى ذلك :

فتحصيل مذهب مالك أنها في ثلاثة أنواع : أحدها : مقصود ، وهو العقار من الدور ، والحوانيت ، والبساتين .

والثاني : ما يتعلق بالعقار مما هو ثابت لا ينقل ، ولا يحول ، وذلك كالبئر ، ومحال النخل ، ما دام الأصل فيها على صفة تجب فيها الشفعة عنه ، وهو أن يكون الأصل الذي هو الأرض مشاعا بينه وبين شريكه غير مقسوم .

والثالث : ما تعلق بهذه كالثمار ، وفيها عنه خلاف ، وكذلك كراء الأرض للزرع ، وكتابة المكاتب .

واختلف عنه في الشفعة في الحمام والرحا ، وأما ما عدا هذا من العروض ، والحيوان فلا شفعة فيها عنده ، وكذلك لا شفعة عنده في الطريق ، ولا في عرصة الدار .

واختلف عنه في أكرية الدور ، وفي المساقاة ، وفي الدين ، هل يكون الذي عليه الدين أحق به ؟ وكذلك الذي عليه الكتابة ، وبه قال عمر بن عبد العزيز . وروى : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في الدين " ، وبه قال أشهب من أصحاب مالك .

وقال ابن القاسم : لا شفعة في الدين . ولم يختلفا في إيجابها في الكتابة لحرمة العتق ، وفقهاء الأمصار على أن لا شفعة إلا في العقار فقط . وحكي عن قوم أن الشفعة في كل شيء ما عدا المكيل ، والموزون ، ولم يجز أبو حنيفة الشفعة في البئر والفحل ، وأجازها في العرصة والطريق . ووافق الشافعي مالكا في العرصة وفي الطريق وفي البئر ، وخالفاه جميعا في الثمار .

وعمدة الجمهور في قصر الشفعة على العقار : ما ورد في الحديث الثابت من قوله عليه الصلاة والسلام : " الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة " ، فكأنه قال : الشفعة فيما تمكن فيه القسمة ما دام لم يقسم ، وهذا استدلال بدليل الخطاب ، وقد أجمع عليه في هذا الموضع فقهاء الأمصار مع اختلافهم في صحة الاستدلال به .

وأما عمدة من أجازها في كل شيء : فما خرجه الترمذي ، عن ابن عباس : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الشريك شفيع والشفعة في كل شيء " ; ولأن معنى ضرر الشركة والجوار موجود في كل شيء ، وإن كان [ ص: 606 ] في العقار أظهر . ولما لحظ هذا مالك أجرى ما يتبع العقار مجرى العقار .

واستدل أبو حنيفة على منع الشفعة في البئر بما روي : " لا شفعة في بئر " ، ومالك حمل هذا الأثر على آبار الصحاري التي تعمل في الأرض الموات ، لا التي تكون في أرض متملكة .

التالي السابق


الخدمات العلمية