الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3369 حدثنا محمد بن بشار حدثنا يزيد بن هارون حدثنا العوام بن حوشب عن سليمان بن أبي سليمان عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فعاد بها عليها فاستقرت فعجبت الملائكة من شدة الجبال قالوا يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال قال نعم الحديد قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الحديد قال نعم النار فقالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من النار قال نعم الماء قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الماء قال نعم الريح قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الريح قال نعم ابن آدم تصدق بصدقة بيمينه يخفيها من شماله قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله ( أخبرنا العوام بن حوشب ) بن يزيد الشيباني أبو عيسى الواسطي ، ثقة ثبت فاضل من السادسة ( عن سليمان بن أبي سليمان ) الهاشمي مقبول من الثالثة . قوله ( لما خلق الله الأرض ) أي أرض الكعبة ودحيت وبسطت من جوانبها وبقيت كلوحة على وجه الماء ( جعلت تميد ) بالدال المهملة أي شرعت تميل وتتحرك وتضطرب شديدة ولا تستقر حتى قالت الملائكة : لا ينتفع الإنس بها ( فخلق الجبال ) قيل أولها أبو قبيس ( فقال بها عليها ) أي أمر وأشار بكونها واستقرارها عليها ( فاستقرت ) أي الجبال عليها أو فثبتت الأرض في مكانها أو ما مادت ولا مالت عن حالها ومحلها . قال الطيبي : قد مر مرارا أن القول يعبر به عن كل فعل وقرينة اختصاصه اقتضاء المقام فالتقدير ألقى بالجبال على الأرض كما قال تعالى : وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم فالباء زائدة على المفعول كما في قوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وإيثار القول على الإلقاء [ ص: 217 ] والإرسال لبيان العظمة والكبرياء وأن مثل هذا الأمر العظيم يتأتى من عظيم قدرته بمجرد القول ، وقيل ضمن القول معنى الأمر أي أمر الجبال قائلا ارسي عليها ، وقيل أي ضرب بالجبال على الأرض حتى استقرت ( هل من خلقك ) أي مخلوقاتك ( قال : نعم ، الحديد ) فإنه يكسر به الحجر ويقلع به الجبال ( النار ) فإنها تلين الحديد وتذيبه ( قال : نعم ، الماء ) لأنه يطفئ النار ( قال : نعم ، الريح ) من أجل أنها تفرق الماء وتنشقه . وقال الطيبي : فإن الريح تسوق السحاب الحامل للماء ( نعم ، ابن آدم تصدق بصدقة إلخ ) أي التصدق من بني آدم أشد من الريح ومن كل ما ذكر .

                                                                                                          وذلك لأن فيه مخالفة النفس وقهر الطبيعة والشيطان ولا يحصل ذلك من شيء مما ذكر ، أو لأن صدقته تطفئ غضب الرب ، وغضب الله تعالى لا يقابله شيء في الصعوبة والشدة ، وإذا فرض نزول عذاب الله بالريح على أحد وتصدق في السر على أحد تدفع العذاب المذكور فكان أشد من الريح ، قاله في اللمعات . وقال الطيبي : فإن من جبلة ابن آدم القبض والبخل الذي هو من طبيعة الأرض . ومن جبلته الاستعلاء وطلب انتشار الصيت وهما من طبيعتي النار والريح فإذا راغم بالإعطاء جبلته الأرضية وبالإخفاء جبلته النارية والريحية كان أشد من الكل انتهى .

                                                                                                          اعلم أن إيراد الترمذي هذين البابين في آخر التفسير كإيراده أحاديث شتى في آخر أبواب الدعوات ، فحديث أبي هريرة في الباب الأول يتعلق بقوله تعالى ولقد عهدنا إلى آدم أي وصيناه أن لا يأكل من الشجرة من قبل أي قبل أكله منها فنسي أي عهدنا ولم نجد له عزما حزما وصبرا عما نهيناه عنه . قال الطيبي تحت قوله ونسي فنسيت ذريته : يشير إلى قوله تعالى ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما وحديث أنس بن مالك في الباب الثاني يتعلق بقوله تعالى وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم .

                                                                                                          [ ص: 218 ] ( أبواب الدعوات )



                                                                                                          الخدمات العلمية