الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق فيه أربعة أوجه: أحدها: أن الزفير الصوت الشديد ، والشهيق الصوت الضعيف ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن الزفير في الحلق من شدة الحزن ، مأخوذ من الزفير ، والشهيق في الصدر ، قاله الربيع بن أنس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أن الزفير تردد النفس من شدة الحزن ، مأخوذ من الزفر وهو الحمل على الظهر لشدته ، والشهيق النفس الطويل الممتد ، مأخوذ من قولهم جبل شاهق أي طويل ، قاله ابن عيسى .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: أن الزفير أول نهيق الحمار ، والشهيق آخر نهيقه ، قال الشاعر: [ ص: 505 ]

                                                                                                                                                                                                                                        حشرج في الجوف سحيلا أو شهق حتى يقال ناهق وما نهق



                                                                                                                                                                                                                                        خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك فيه ثمانية تأويلات: أحدها: خالدين فيها ما دامت سماء الدنيا وأرضها إلا ما شاء ربك من الزيادة عليها بعد فناء مدتها حكاه ابن عيسى .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: ما دامت سماوات الآخرة وأرضها إلا ما شاء ربك من قدر وقوفهم في القيامة ، قاله بعض المتأخرين.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: ما دامت السماوات والأرض ، أي مدة لبثهم في الدنيا ، قاله ابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك من أهل التوحيد أن يخرجهم منها بعد إدخالهم إليها ، قاله قتادة ، فيكونون أشقياء في النار سعداء في الجنة ، حكاه الضحاك عن ابن عباس ، وروى يزيد بن أبي حبيب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يدخل ناس جهنم حتى إذا صاروا كالحمحمة أخرجوا منها وأدخلوا الجنة فيقال هؤلاء الجهنميون.

                                                                                                                                                                                                                                        الخامس: إلا ما شاء من أهل التوحيد أن لا يدخلهم إليها ، قاله أبو نضرة يرويه مأثورا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                        السادس: إلا ما شاء ربك من كل من دخل النار من موحد ومشرك أن يخرجه منها إذا شاء ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        السابع: أن الاستثناء راجع إلى قولهم لهم فيها زفير وشهيق إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي ليست بزفير ولا شهيق مما لم يسم ولم يوصف ومما قد [ ص: 506 ] سمي ووصف ، ثم استأنف ما دامت السماوات والأرض حكاه ابن الأنباري.

                                                                                                                                                                                                                                        الثامن: أن الاستثناء واقع على معنى لو شاء ربك أن لا يخلدهم لفعل ولكن الذي يريده ويشاؤه ويحكم به تخليدهم. وفي تقدير خلودهم بمدة السماوات والأرض وجهان: أحدهما: أنها سماوات الدنيا وأرضها ، ولئن كانت فانية فهي عند العرب كالباقية على الأبد فذكر ذلك على عادتهم وعرفهم كما قال زهير:


                                                                                                                                                                                                                                        ألا لا أرى على الحوادث باقيا     ولا خالدا إلا الجبال الرواسيا



                                                                                                                                                                                                                                        والوجه الثاني: أنها سماوات الآخرة وأرضها لبقائها على الأبد.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية