الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 268 ] دخول المشرك المسجد

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " ولا بأس أن يبيت المشرك في كل مسجد إلا المسجد الحرام لقول الله جل وعز : فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا [ التوبة : 28 ] . ( قال المزني ) : فإذا بات فيه المشرك فالمسلم الجنب أولى أن يجلس فيه ، ويبيت ، وأحب إعظام المسجد عن أن يبيت فيه المشرك أو يقعد فيه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح .

                                                                                                                                            وجملة المشركين ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكونوا ممن قد شرط عليهم في عقد ذمتهم وقبول حريتهم أن لا يدخلوا مساجدنا فهؤلاء ليس لهم دخول مسجد بحال .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن لا يكونوا ممن لا يشترط ذلك عليهم فقد اختلف الناس في ذلك على ثلاثة مذاهب :

                                                                                                                                            أحدها : وهو مذهب الشافعي أنه يجوز لهم أن يدخلوا مساجدنا بإذننا إلا الحرم ، ومساجده ، فلا يجوز لهم دخوله .

                                                                                                                                            والثاني : وهو قول مالك لا يجوز لهم دخول مسجد بحال لا الحرم ولا غيره .

                                                                                                                                            والثالث : وهو قول أبي حنيفة : يجوز لهم دخول المسجد كلها في الحرم وغيره .

                                                                                                                                            والدلالة عليهما قوله تعالى : فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا [ التوبة : 28 ] فسقط بصريح الآية قول أبي حنيفة ، لأن الله تعالى منعهم من دخول المسجد ، وأبو حنيفة أجازه لهم ، وسقط بدليلها قول مالك ، لأنه خص منعهم بالمسجد الحرام يعني : الحرم فدل على أن غير الحرم مخالف له في الحكم المعلق به ، وليس نصه على الحرم تنبيها على غيره ، لأنه لو أراد ذلك لنص على ما دونه في الحرم ، ثم من الدليل على مالك رواية عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل وفد ثقيف في المسجد " وروي أن مشركي قريش لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم في فدي أسراهم أنزلهم في المسجد . قال جبير بن مطعم : فكنت فيهم حيث أسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروي أنه صلى الله عليه وسلم شد ثمامة بن أثال على سارية من سواري المسجد " ، فأما المزني : فإنه منع المشرك من دخول المسجد ، والمبيت فيه بكل قال : لأنه لو جاز ذلك له لكان الجنب المسلم أولى به لموضع حرمته وتشريفه فلما لم يجز للمسلم المبيت فيه كان المشرك أولى .

                                                                                                                                            [ ص: 269 ] والفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : كتاب الله عز وجل ، الوارد بالفرق بين حاليهما . قال الله تعالى : ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا [ النساء : 43 ] وقال تعالى : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله [ التوبة : 6 ] ففرق الله سبحانه بينهما فلم يجز لأحد أن يجمع بينهما .

                                                                                                                                            والثاني : أن معنى المشرك الذي هو ممنوع من أجله يرجى زواله بدخول المسجد ومقامه فيه إذا سمع كلام الله تعالى وظهور حجته ، فربما أسلم من شركه ولا يرجى لمقام الجنب فيه زوال جنابته ، وارتفاع حدثه إلا بالغسل ، والمساجد لم تبن للغسل ، وإنما بنيت لذكر الله سبحانه والصلاة .



                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية