إسلام ويب - بداية المجتهد ونهاية المقتصد - كتاب العارية- الجزء رقم1
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
وأما الأحكام فكثيرة ، وأشهرها nindex.php?page=treesubj&link=6455هل هي مضمونة أو أمانة ؟ فمنهم من قال : إنها مضمونة وإن قامت البينة على تلفها ، وهو قول أشهب ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وأحد قولي مالك ، ومنهم من قال نقيض هذا ، وهو أنها ليست مضمونة أصلا ، وهو قول أبي حنيفة ، ومنهم من قال : يضمن فيما يغاب عليه إذا لم يكن على التلف بينة ، ولا يضمن فيما لا يغاب عليه ، ولا فيما قامت البينة على تلفه ، وهو مذهب مالك المشهور ، وابن القاسم وأكثر أصحابه .
وسبب الخلاف تعارض الآثار في ذلك ، وذلك أنه ورد في الحديث الثابت أنه قال - عليه الصلاة والسلام - nindex.php?page=showalam&ids=90لصفوان بن أمية : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006728بل عارية مضمونة مؤداة " ، وفي بعضها " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006729بل عارية مؤداة " ، وروي عنه أنه قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006730ليس على المستعير ضمان " .
فمن رجح وأخذ بهذا أسقط الضمان عنه ، ومن أخذ بحديث nindex.php?page=showalam&ids=90صفوان بن أمية ألزمه الضمان ، ومن ذهب مذهب الجمع فرق بين ما يغاب عليه وبين ما لا يغاب عليه ، فحمل هذا الضمان على ما يغاب عليه ، والحديث [ ص: 651 ] الآخر على ما لا يغاب عليه ، إلا أن الحديث الذي فيه " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006730ليس على المستعير ضمان " غير مشهور ، وحديث صفوان صحيح ، ومن لم ير الضمان شبهها بالوديعة ، ومن فرق قال : الوديعة مقبوضة لمنفعة الدافع ، والعارية لمنفعة القابض .
واتفقوا في الإجارة على أنها غير مضمونة ( أعني : nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأبا حنيفة ومالكا ) ، ويلزم nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إذا سلم أنه لا ضمان عليه في الإجارة أن لا يكون ضمان في العارية إن سلم أن سبب الضمان هو الانتفاع ; لأنه إذا لم يضمن حيث قبض لمنفعتهما فأحرى أن لا يضمن حيث قبض لمنفعته إذا كانت منفعة الدافع مؤثرة في إسقاط الضمان .
واختلفوا nindex.php?page=treesubj&link=27082إذا شرط الضمان ، فقال قوم : يضمن ، وقال قوم : لا يضمن ، والشرط باطل ، ويجيء على قول مالك إذا اشترط الضمان في الموضع الذي لا يجب فيه عليه الضمان أن يلزم إجارة المثل في استعماله العارية ; لأن الشرط يخرج العارية عن حكم العارية إلى باب الإجارة الفاسدة إذا كان صاحبها لم يرض أن يعيرها إلا بأن يخرجها في ضمانه ، فهو عوض مجهول فيجب أن يرد إلى معلوم .
واختلف عن مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي إذا nindex.php?page=treesubj&link=27401غرس المستعير وبنى ثم انقضت المدة التي استعار إليها ، فقال مالك : المالك بالخيار إن شاء أخذ المستعير بقلع غراسته وبنائه ، وإن شاء أعطاه قيمته مقلوعا إذا كان مما له قيمة بعد القلع ، وسواء عند مالك انقضت المدة المحدودة بالشرط أو بالعرف أو العادة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إذا لم يشترط عليه القلع فليس له مطالبته بالقلع ، بل يخير المعير بأن يبقيه بأجر يعطاه ، أو ينقض بأرش ، أو يتملك ببدل ، فأيهما أراد المعير أجبر عليه المستعير ، فإن أبى كلف تفريغ الملك . وفي جواز بيعته للنقض عنده خلاف ; لأنه معرض للنقض .
فرأى nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن أخذه المستعير بالقلع دون أرش هو ظلم ، ورأى مالك أن عليه إخلاء المحل ، وأن العرف في ذلك يتنزل منزلة الشروط ، وعند مالك أنه إن nindex.php?page=treesubj&link=6455استعمل العارية استعمالا ينقصها عن الاستعمال المأذون فيه ضمن ما نقصها بالاستعمال .
واختلفوا من هذا الباب في الرجل يسأل جاره أن يعيره جداره ليغرز فيه خشبة لمنفعته ولا تضر صاحب الجدار ، وبالجملة في كل ما ينتفع به المستعير ولا ضرر على المعير فيه ، فقال مالك وأبو حنيفة : لا يقضى عليه به إذ العارية لا يقضى بها ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، وداود وجماعة أهل الحديث : يقضى بذلك .
وحجتهم ما خرجه مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006731لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره " ، ثم يقول nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : مالي أراكم عنها معرضين ، والله لأرمين بها بين أكتافكم .
واحتجوا أيضا بما رواه مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أن nindex.php?page=showalam&ids=190الضحاك بن قيس ساق خليجا له من العريض ، فأرادوا أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة ، فأبى محمد ، فقال له الضحاك : أنت تمنعني وهو لك منفعة ، تسقي منه أولا وآخرا ولا يضرك ؟ فأبى محمد ، فكلم فيه الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، فدعا عمر محمد بن مسلمة ، فأمره أن يخلي سبيله ، قال محمد : لا ، فقال عمر : لا تمنع أخاك ما ينفعه ولا يضرك ، فقال [ ص: 652 ] محمد : لا ، فقال عمر : والله ليمرن به ولو على بطنك ، فأمره عمر أن يمر به ، ففعل الضحاك .
وكذلك حديث عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال : كان في حائط جدي ربيع nindex.php?page=showalam&ids=38لعبد الرحمن بن عوف ، فأراد أن يحوله إلى ناحية من الحائط ، فمنعه صاحب الحائط ، فكلم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، فقضى nindex.php?page=showalam&ids=38لعبد الرحمن بن عوف بتحويله وقد عذل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مالكا لإدخاله هذه الأحاديث في موطئه ، وتركه الأخذ بها .
وعمدة مالك ، وأبي حنيفة قوله - عليه الصلاة والسلام - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006732لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه " وعند الغير أن عموم هذا مخصص بهذه الأحاديث ، وبخاصة حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . وعند مالك أنها محمولة على الندب ، وأنه إذا أمكن أن تكون مختصة وأن تكون على الندب فحملها على الندب أولى ; لأن بناء العام على الخاص إنما يجب إذا لم يمكن بينهما جمع ووقع التعارض . وروى أصبغ عن ابن القاسم : أنه لا يؤخذ بقضاء عمر على محمد بن مسلمة في الخليج ، ويؤخذ بقضائه nindex.php?page=showalam&ids=38لعبد الرحمن بن عوف في تحويل الربيع ، وذلك أنه رأى أن تحويل الربيع أيسر من أن يمر عليه بطريق لم يكن قبل ، وهذا القدر كاف بحسب غرضنا .