الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما الثاني وهو بيان ما يقطع حكم الحول وما لا يقطع فهلاك النصاب في خلال الحول يقطع حكم الحول حتى لو استفاد في ذلك الحول نصابا يستأنف له الحول .

                                                                                                                                لقول النبي : صلى الله عليه وسلم { لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول } ، والهالك ما حال عليه الحول .

                                                                                                                                وكذا المستفاد بخلاف ما إذا هلك بعض النصاب ثم استفاد ما يكمل به ; لأن ما بقي من النصاب ما حال عليه الحول فلم ينقطع حكم الحول .

                                                                                                                                ولو استبدل مال التجارة بمال التجارة وهي العروض قبل تمام الحول لا يبطل حكم الحول سواء استبدل بجنسها أو بخلاف جنسها بلا خلاف ; لأن وجوب الزكاة في أموال التجارة يتعلق بمعنى المال وهو المالية والقيمة فكان الحول منعقدا على المعنى وأنه قائم لم يفت بالاستبدال .

                                                                                                                                وكذلك الدراهم والدنانير إذا باعها بجنسها أو بخلاف جنسها بأن باع الدراهم بالدراهم أو الدنانير بالدنانير أو الدنانير بالدراهم أو الدراهم بالدنانير وقال الشافعي : ينقطع حكم الحول فعلى قياس قوله : لا تجب الزكاة في مال الصيارفة لوجود الاستبدال منهم ساعة فساعة .

                                                                                                                                وجه قوله أنهما عينان مختلفان حقيقة فلا تقوم إحداهما مقام الأخرى فينقطع الحول المنعقد على إحداهما كما إذا باع السائمة بالسائمة بجنسها أو بخلاف جنسها .

                                                                                                                                ولنا أن الوجوب في الدراهم أو الدنانير متعلق بالمعنى أيضا لا بالعين ، والمعنى قائم بعد الاستبدال فلا يبطل حكم الحول كما في العروض بخلاف ما إذا استبدل السائمة بالسائمة ; لأن الحكم هناك متعلق بالعين وقد تبدلت العين فبطل الحول المنعقد على الأول فيستأنف للثاني حولا .

                                                                                                                                ولو استبدل السائمة بالسائمة فإن استبدلها بخلاف جنسها بأن باع الإبل بالبقر أو البقر بالغنم ينقطع حكم الحول بالإجماع ، وإن استبدلها بجنسها بأن باع الإبل بالإبل أو البقر بالبقر أو الغنم بالغنم ، فكذلك في قول أصحابنا الثلاثة ، وقال زفر : لا ينقطع وجه قوله أن الجنس واحد فكان المعنى متحدا فلا ينقطع الحول كما إذا باع الدراهم بالدراهم ولنا أن الوجوب في السوائم يتعلق بالعين لا بالمعنى ألا ترى أن من كان له خمس من الإبل عجاف هزال لا تساوي مائتي درهم تجب فيها الزكاة ؟ فدل أن الوجوب فيها تعلق بالعين والعين قد اختلفت فيختلف له الحول .

                                                                                                                                وكذا لو باع السائمة بالدراهم أو بالدنانير أو بعروض ينوي بها التجارة أنه يبطل حكم الحول الأول بالاتفاق ; لأن متعلق الوجوب في المالين قد اختلف إذ المتعلق في أحدهما العين ، وفي الآخر المعنى .

                                                                                                                                ولو احتال بشيء من ذلك فرارا من وجوب الزكاة عليه هل يكره له ذلك ؟ قال محمد : يكره .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف : لا يكره .

                                                                                                                                وهو على الاختلاف في الحيلة لمنع وجوب الشفعة ، ولا خلاف في الحيلة لإسقاط الزكاة بعد وجوبها مكروهة كالحيلة لإسقاط الشفعة بعد وجوبها .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية