الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن قلت : فلو لم يعجب بنفسه إذ علم أن ذلك من الله تعالى لا منه وإن ، مثله لا يقوى على دفع الشيطان إلا بتوفيق الله ومعونته ، ومن عرف ضعف نفسه وعجزه ، عن أقل القليل فإذا ، قدر على مثل هذا الأمر العظيم علم أنه لم يقو عليه بنفسه ، بل بالله تعالى ، فما الذي يخاف عليه بعد نفي العجب فأقول : يخاف عليه الغرور بفضل الله والثقة بكرمه ، والأمن من مكره حتى يظن أنه يبقى على هذه الوتيرة في المستقبل ولا يخاف من الفترة والانقلاب فيكون حاله الاتكال على فضل الله فقط دون أن يقارنه الخوف من مكره ، ومن أمن مكر الله فهو خاسر جدا بل سبيله أن يكون مشاهدا جملة ذلك من فضل الله ثم خائفا على نفسه أن يكون قد سدت عليه صفة من صفات قلبه من حب دنيا ورياء وسوء خلق والتفات إلى عز وهو غافل عنه ، ويكون خائفا أن يسلب حاله في كل طرفة عين غير آمن من مكر الله ، ولا غافل عن خطر الخاتمة .

وهذا خطر لا محيص عنه ، وخوف لا نجاة منه إلا بعد مجاوزة الصراط .

ولذلك لما ظهر الشيطان لبعض الأولياء في وقت النزع ، وكان قد بقي له نفس فقال أفلت مني يا فلان فقال لا بعد .

ولذلك قيل : الناس كلهم هلكى إلا العالمون والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون ، والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون والمخلصون على خطر عظيم .

فإذن المغرور هالك ، والمخلص الفار من الغرور على خطر ; فلذلك لا يفارق الخوف والحذر قلوب أولياء الله أبدا .

فنسأل الله تعالى العون والتوفيق وحسن الخاتمة ; فإن الأمور بخواتيمها .

تم كتاب ذم الغرور وبه تم ربع المهلكات ويتلوه في أول ربع المنجيات كتاب التوبة والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، وهو حسبي ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

التالي السابق


(فإن قلت: فلو لم يعجب بنفسه إذ علم أن ذلك من الله تعالى لا منه، وأن مثله لا يقوى على دفع الشيطان إلا بتوفيق الله و) حسن (معونته، ومن حيث ضعف نفسه، وعجز عن أقل القليل، فإذ قدر على مثل هذا الأمر العظيم [ ص: 495 ] علم أنه لم يقو عليه بنفسه، بل بالله، فما الذي يخاف عليه بعد نفي العجب) ، وهو آخر مداخل الغرور، (فأقول: يخاف عليه الغرور بفضل الله والثقة بكرمه، والأمن من مكره حتى يظن أنه يبقى على هذه الوتيرة) أي: الطريقة (في المستقبل) كما هو الحال الراهن، (ولا يخاف من الفترة) والوقفة، (والانقلاب) من حال إلى حال، (فيكون حاله الاتكال على فضل الله فقط دون أن يقارنه الخوف من مكره، ومن أمن من مكر الله فهو خاسر جدا) بنص الآية فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ، (بل سبيله أن يكون مشاهدا لجملة ذلك من فضل الله) ومنته عليه، (ثم) يكون (خائفا على نفسه أن يكون قد سدت عليه صفة من صفات قلبه من حب دنيا ورياء وسوء خلق والتفاوت إلى عز) في غير ذلك، (وهو غافل عنه، ويكون) أيضا (خائفا أن يسلب حاله في كل تطريفة) ، وفي نسخة: في كل طريقة، وفي أخرى في كل طرفة عين، (غير آمن من مكر الله، ولا غافل عن خطر الخاتمة) وسوء المنقلب، (وهذا) أي: خطر الخاتمة (خطر لا محيص عنه، وخوف لا نجاة منه إلا بعد مجاوزة الصراط) الذي على متن جهنم; (ولذلك لما ظهر الشيطان لبعض الأولياء في وقت النزع، وكان قد بقي له نفس فقال له) الشيطان: (أفلت مني يا فلان) أي: خلصت مني، (فقال) الولي عند ذلك: (لا بعد) أي: ما دام النفس موجودا لا أتخلص من شرك، روي ذلك عن الإمام أحمد، فأحب ما إلى الشيطان أن يسلب المؤمن إيمانه عند النزع، (ولذلك قيل: الناس كلهم هلكى) أي: هالكون محجوبون بظلمات جهلهم المورث فيه للهلاك (إلا العالمون) ، فهم رفعوا تلك الحجب بنور معرفتهم بالله تعالى، (والعالمون كلهم هلكى) إذ هم محجوبون بحجب النور فيظنون أنهم قد كشف عنهم الحجاب فاغتروا فكان سبب هلاكهم، (إلا العاملون، والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون) الذين أخلصوا لله في سائر أحوالهم، (والمخلصون على خطر عظيم) ، وقد روي هذا القول عن أبي محمد بن عبد الله التستري رحمه الله تعالى. أخرجه الخطيب في اقتضاء العلم العمل; قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن محمد الخلال، حدثنا محمد بن عبد الله الشيباني قال: سمعت عبد الكريم بن كامل يقول: سمعت سهل بن عبد الله التستري يقول: الناس كلهم سكارى إلا العلماء، والعلماء كلهم حيارى إلا من عمل بعلمه. وأخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن فضالة الحافظ، أخبرنا أبو محمد الغطريفي، حدثنا بكر بن أحمد بن سعدويه قال: قال سهل بن عبد الله: الدنيا جهل وموات إلا العلم، والعلم كله حجة إلا العمل به، والعمل كله هباء إلا الإخلاص، والإخلاص على خطر عظيم حتى يختم به، (فإذن المغرور هالك، والمخلص الفار من الغرور على خطر; فلذلك لا يفارق الخوف والحذر قلوب أولياء الله أبدا، فنسأل الله العون والتوفيق وحسن الخاتمة; فإن الأمور بخواتيمها، والسلام) والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وبه تم شرح كتاب ذم الغرور، به تم ربع المهلكات، يتلوه ربع المنجيات، قال المؤلف رحمه الله تعالى: وكان الفراغ من تسويده في الثالثة من يوم الاثنين ثاني عشر جمادى الأولى سنة 1200، وكتب أبو الفيض محمد مرتضى الحسيني غفر الله له بمنه، حامدا لله ومصليا ومسلما .




الخدمات العلمية