الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل ومما ينبغي أن يعلم أن كثيرا مما يحمى عنه العليل والناقه والصحيح ، إذا اشتدت الشهوة إليه ، ومالت إليه الطبيعة ، فتناول منه الشيء اليسير الذي لا تعجز الطبيعة عن هضمه ، لم يضره تناوله ، بل ربما انتفع به ، فإن الطبيعة والمعدة تتلقيانه بالقبول والمحبة ، فيصلحان ما يخشى من ضرره ، وقد يكون أنفع من تناول ما تكرهه الطبيعة ، وتدفعه من الدواء ، ولهذا أقر النبي صلى الله عليه وسلم صهيبا وهو أرمد على تناول التمرات اليسيرة ، وعلم أنها لا تضره ، ومن هذا ما يروى عن ( علي أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أرمد ، وبين يدي النبي صلى الله عليه وسلم تمر يأكله ، فقال : يا علي ! تشتهيه ؟ ورمى إليه بتمرة ، ثم بأخرى حتى رمى إليه سبعا ، ثم قال : " حسبك يا علي " ) .

ومن هذا ما رواه ابن ماجه في " سننه " من حديث عكرمة ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ( عاد رجلا ، فقال له : " ما تشتهي ؟ " فقال أشتهي خبز بر . وفي لفظ أشتهي كعكا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من كان عنده خبز بر فليبعث إلى أخيه " ثم قال : [ ص: 98 ] إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه ) .

ففي هذا الحديث سر طبي لطيف ، فإن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق طبيعي ، وكان فيه ضرر ما ، كان أنفع وأقل ضررا مما لا يشتهيه ، وإن كان نافعا في نفسه ، فإن صدق شهوته ومحبة الطبيعة يدفع ضرره ، وبغض الطبيعة وكراهتها للنافع قد يجلب لها منه ضررا .

وبالجملة : فاللذيذ المشتهى تقبل الطبيعة عليه بعناية فتهضمه على أحمد الوجوه ، سيما عند انبعاث النفس إليه بصدق الشهوة ، وصحة القوة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية