الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            هيبة مجالس الحكام وصيانتها .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : وإذا بان له من أحد الخصمين لدد نهاه فإن عاد زجره ولا يحبسه ولا يضربه إلا أن يكون في ذلك ما يستوجبه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : مجلس الحكام في الأحكام يتميز عن مجالس غيرهم وعن مجالس أنفسهم في غير الأحكام من خمسة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : فضل وقار القاضي فيها عن أن يبدأ أحدا بكلام أو سلام أو إكرام وليكن في دخول جميع المتنازعين إليه من شريف ومشروف مطرقا فقد حكي أن المهدي وهو أمير المؤمنين تقدم مع خصوم له بالبصرة إلى قاضيها عبيد الله بن الحسن العنبري فلما رآه القاضي مقبلا أطرق إلى الأرض حتى جلس مع خصومه مجلس المتحاكمين فلما انقضت الحكومة قام القاضي فوقف بين يديه فقال المهدي : والله لو قمت حين دخلت إليك لعزلتك ولو لم تقم حين انقضى الحكم لعزلتك . وإنما كان يعزله بالقيام قبل الحكم لممايلته ، ويعزله بالقعود بعد الحكم لترك حقه فيكون العزل الأول مستحقا والثاني أدبا فهذا وجه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن يبعد مجالس الخصوم منه لأمرين : أحدهما ليكون أبلغ في الهيبة والثاني لئلا تسبق إليه تهمة أن يشير إلى أحدهما أو يشير إليه أحدهما بما يخالف الحق .

                                                                                                                                            وليكن البساط الذي يجلس عليه متميزا عن بساط الخصوم ليكون أهيب له .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : أن لا يحضر في مجلسه مع الخصوم إلا من له بالحكم تعلق فإننا [ ص: 46 ] نستحب أن لا يخلو مجلس حكمه من شهود وفقهاء : أما الشهود فليشهدوا ما جرى فيه من إقرار وما نفذ فيه من حكم . وأما الفقهاء فليرجع إليهم ويشاورهم في أحكام الحوادث ولينبهوه على زلل إن كان منه ، ولا يردوا عليه ما يخالفونه من مسائل الاجتهاد ويمنع أن يحضر مع الخصم من ليس بوكيل له في المحاكمة من جميع الناس .

                                                                                                                                            والوجه الرابع : أن يساوي بين الخصمين في مقعدهما والنظر إليهما وكلامه لهما ولا يخص أحدهما بترتيب ولا نظر ولا كلام ، كتب عمر في عهده إلى أبي موسى الأشعري على قضاء البصرة : آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك فأمره بالتسوية بينهم في وجهه وعدله ومجلسه ، وليكن جلوس الخصوم بين يديه جثاة على الركب ليتميز عن جلوس غير الخصوم فيكون أجمع للهيبة .

                                                                                                                                            والوجه الخامس : أن يكون كلام الخصم مقصورا على الدعوى والجواب وكلام القاضي مقصورا على المسألة والحكم .

                                                                                                                                            وحضور الخصوم في المحاكمة يسقط عنهم سنة السلام . فإن سلما جميعا رد القاضي عليهما .

                                                                                                                                            وإن سلم أحدهما فقد اختلف أصحابنا في فرض رده على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أن يرد عليه السلام في الحال .

                                                                                                                                            والثاني : يرد عليه بعد الحكم .

                                                                                                                                            والثالث : أن يرده في الحال عليهما معا .

                                                                                                                                            ومنع بعض الفقهاء من الرد في الأحوال كلها ، لأن الخصم أوقع السلام في غير موقعه فلم يستحق الرد عليه والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية