الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( 2 ) باب الاستئذان

الفصل الأول

4667 - عن أبي سعيد الخدري ، قال : أتانا أبو موسى ، قال : إن عمر أرسل إلي أن آتيه ، فأتيت بابه ، فسلمت ثلاثا ، فلم يرد علي ، فرجعت . فقال : ما منعك أن تأتينا ؟ فقلت : إني أتيت فسلمت على بابك ثلاثا فلم تردوا فرجعت ، وقد قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له ، فليرجع " . فقال عمر : أقم عليه البينة . قال أبو سعيد : فقمت معه ، فذهبت إلى عمر ، فشهدت . متفق عليه .

التالي السابق


( 2 ) باب الاستئذان

بسكون الهمز ويبدل ياء ، ومعناه : طلب الإذن والأصل فيه قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها الآيات . قال الطيبي : وأجمعوا على أن الاستئذان مشروع وتظاهرت به دلائل القرآن والسنة ، والأفضل أن يجمع بين السلام والاستئذان ، واختلفوا في أنه هل يستحب تقديم السلام أو الاستئذان ، والصحيح تقديم السلام فيقول : السلام عليكم . أدخل ؟ وعن الماوردي إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قدم السلام ، وإلا قدم الاستئذان . قلت : وهو بظاهره يخالف ما سبق من حديث السلام قبل الكلام .

الفصل الأول

4667 - ( عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال : أتانا أبو موسى ) ، أي : الأشعري ( قال ) أي : أبو موسى استئناف بيان لعلة الإتيان ( إن عمر - رضي الله تعالى عنه - أرسل إلي أن آتيه ) ، أي بأن [ ص: 2959 ] أجيئه ( فأتيت بابه ، فسلمت ثلاثا ) ، أي : ثلاث مرات غير متواليات على ما هو الظاهر من الأدب المتعارف ، والمراد به سلام الإيذان ، وهو قد يكون مع أدخل ؟ ، وقد يتجرد عنه اكتفاء ، وسيأتي بيان حكمة التثليث ( فلم يرد ) أي : عمر أو أحد ( علي ) ، أي : الجواب ( فرجعت ) ، أي : لقوله تعالى : وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم ، والسكوت في هذا المقام دليل على الإعراض ، فهو في معنى الأمر بالرجوع فرجعت . ( فقال ) أي : بعد ذلك معاتبا لي ( ما منعك أن تأتينا ؟ ) أي : من الإتيان إلينا مع إرسالنا إليك بالإتيان ( فقلت : إني ) : بفتح الهمزة وكسرها ( أتيت ) أي : إليك ( فسلمت ) والكسر هو الأظهر ; لأنه استئناف فيه معنى التعليل مع أن المقول لا يكون إلا جملة ، ولهذا تكون أن بعد القول دائما مكسورة . وقال الطيبي : الظاهر فتح إن ليكون مطابقا للسؤال ، فإن السؤال عن المنع فيجب أن يبين المانع ، ويقال : إن المانع إتياني وتسليمي ، والكسر يدل على المانع بالمفهوم . ( على بابك ) : متعلق بمقدر أي : فسلمت عليك حال كوني واقفا على بابي ( ثلاثا فلم تردوا ) أي : لا أنت ولا أحد من خدامك ( علي ) أي : السلام أو الجواب ( فرجعت وقد ) : الواو حالية أو استئنافية ( قال ) أي : لي كما في نسخة صحيحة ، والمعنى مخاطبا لي ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع ) : فإن الأول للتعرف ، والثاني للتأمل ، والثالث للإذن وعدمه ( فقال عمر : أقم عليه ) أي : على أن الحديث الذي رويته هو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( البينة ) أي : تمام البينة ، والمراد بها الشاهد له ، ولو كان واحدا وإنما أمره بذلك ليزداد فيه وثوقا ، فالعلمان خير من علم واحد لا للشك في صدق خبره عنده رضي الله تعالى عنه .

وقال الطيبي : تعلق بهذا الحديث من يقول لا يحتج بخبر الواحد وهو باطل ، فإنهم أجمعوا على الاحتجاج بخبر الواحد ووجوب العمل به ، ودلائلهم أكثر مما تحصى ، وأما قول عمر - رضي الله تعالى عنه - هذا ، فليس معناه رد خبر الواحد من حيث هو خبر واحد ، ولكن خاف مسارعة الناس إلى القول على النبي - صلى الله عليه وسلم - بما لم يقل كما يفعله المبتدعون والكذابون ، وكذا من وقع له قضية وضع فيها حديثا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأراد سد الباب لا شكا في رواية أبي موسى ; لأنه أجل من أن يظن به أن يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل ، ومما يدل على أن عمر - رضي الله تعالى عنه - لم يرد خبر أبي موسى لكونه خبر واحد أنه طلب منه إخبار رجل آخر حتى يعمل بالحديث ، ومعلوم أن خبر الاثنين خبر واحد ، وكذا ما زاد حتى يبلغ التواتر ; لأن ما لم يبلغ التواتر فهو خبر واحد .

( قال أبو سعيد : فقمت معه ) ، أي : مع أبي موسى ( فذهبت إلى عمر ، فشهدت ) ، أي : على الحديث الذي رواه أبو موسى ( متفق عليه ) . والقدر المرفوع منه رواه مالك وأحمد والشيخان وأبو داود عن أبي موسى وأبى سعيد معا ، والطبراني والضياء عن جندب البجلي .




الخدمات العلمية