الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قال فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى

استبد موسى عليه السلام بجوابه من حيث خصه في السؤال، ثم أعلمه من صفات الله بالتي لا تشريك لفرعون فيه ولا بوجه مجاز. واختلف المفسرون في قوله: الذي أعطى كل شيء خلقه فقالت فرقة: أعطى الله الذكر من كل الحيوان - نوعه وخلقته - أنثى، ثم هدى للإتيان، وقالت فرقة: أعطى الله كل موجود من مخلوقاته خلقته وصورته، أي أكمل ذلك له وأتقنه، ثم هدى أي: يسر كل شيء لمنافعه ومرافقه.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وهذا القول أشرف معنى وأعم في الموجودات.

وقرأت فرقة: "خلقه" بفتح اللام، ويكون المفعول الثاني بـ "أعطى" مقدرا، تقديره: كماله أو مصلحته.

وقول فرعون : فما بال القرون الأولى يحتمل أن يريد محاجته بحسب ما تقدم من القول ومناقضته فيه، فليس يتجه على هذا أن يريد إلا: ما بال القرون الأولى لم تبعث ولم يوجد أمرك عندها؟ فرد موسى عليه السلام علم ذلك إلى الله تعالى. ويحتمل أن يريد فرعون قطع الكلام الأول والرجوع إلى سؤال موسى عمن سلف من الناس روغانا في الحجة وحيدة، وقيل: "البال": الحال، فكأنه سأله عن حالهم، كما جاء في الحديث: يهديكم الله ويصلح بالكم . وقال النقاش : إنما قال فرعون : فما بال القرون الأولى لما سمع مؤمن آله يقول: يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب [ ص: 100 ] مثل دأب قوم نوح وعاد الآية، ورد موسى العلم إلى الله لأنه لم تأته التوراة بعد. وقوله: في كتاب يريد اللوح المحفوظ، أو فيما كتبه الملائكة من أحوال البشر.

وقرأت فرقة: "لا يضل" بفتح الياء وكسر الضاد، واختلف في معنى هذه القراءة فقالت فرقة: هو ابتداء كلام، تنزيه لله تبارك وتعالى عن هاتين الصفتين، وقد كان الكلام تم في قوله: "في كتاب"، و "يضل" معناه: يتلف، وقالت فرقة: بل قوله: لا يضل ربي ولا ينسى من صفة الكتاب، أي أن الكتاب لا يغيب عن الله تعالى، تقول العرب : "ضلني الشيء" إذا لم أجده، و "أضللته أنا"، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم حكاية عن الإسرائيلي الذي طلب أن يحرق بعد موته: لعلي أضل الله الحديث، ولا ينسى أظهر ما فيه أن يعود ضميره إلى الله تعالى، ويحتمل أن يعود إلى الكتاب في بعض [ ص: 101 ] التأويلات، يصفه بأنه لا ينسى، أي: لا يدع شيئا، فالنسيان هنا استعارة، كما قال في موضع آخر: إلا أحصاها ، فوصفه بالإحصاء من حيث حصرت فيه الحوادث.

التالي السابق


الخدمات العلمية