الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

4744 - عن نافع : أن رجلا عطس إلى جنب ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال الحمد لله والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ابن عمر : وأنا أقول : الحمد لله والسلام على رسول الله ، وليس هكذا علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقول : الحمد لله على كل حال . رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث غريب .

التالي السابق


الفصل الثالث

4744 - ( عن نافع - رضي الله عنه - أن رجلا عطس إلى جنب ابن عمر ) أي : منتهيا جلوسا إلى جنبه ( فقال ) أي : العاطس ( الحمد لله والسلام على رسول الله ) : يحتمل أن يكون من جهله بالحكم الشرعي ، أو ظن أنه يستحب زيادة السلام عليه ؛ لأنه من جملة الأذكار أو جزاء لتعليمنا آداب الأبرار ، أو قياسا على زيادة ذكره بعد الحمدلة في كثير من الأمور كابتداء الخطبة ، ودخول المسجد ونحوهما . لكن لما كان هذا من باب القياس مع الفارق ( قال ابن عمر : وأنا أقول ) أي : كما تقول أيضا ( الحمد لله والسلام على رسول الله ) : لأنهما ذكران شريفان ، كل أحد مأمور بهما ، لكن لكل مقام مقال ، وهذا معنى قوله : ( وليس هكذا ) أي : ليس الأدب المأمور المندوب هكذا بأن يضم السلام مع الحمد عند العطسة ، بل الأدب متابعة الأمر من غير زيادة نقصان من تلقاء النفس إلا بقياس جلي ( علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقول : الحمد لله على كل حال ) : فالزيادة المطلوبة إنما هي المتعلقة بالحمدلة سواء ورد أو لا . وأما زيادة ذكر آخر بطريق الضم إليه ، فغير مستحسن ؛ لأن من سمع ربما يتوهم أنه من جملة المأمورات ، ثم لا يبعد أن يتعلق قوله : على كل حال ، بقوله : نقول ، فالمعنى أنه - صلى الله عليه وسلم - علمنا قول الحمد لله عند العطسة على كل حال من الأحوال من غير تفاوت في الأفعال .

وقال الطيبي في قوله : وليس هكذا أي : والحال أنه ليس كذلك ؛ لأن شأن العاطس أن يقول : الحمد لله ، كما علمنا رسول الله عليه السلام ، وقوله : علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستأنف دال على المقدر ، فهو من باب الرجوع إلى ما هو أحق وأحرى على طرق إرخاء العنان والتساهل والاجتناب عن التخشن ، خلافا لقول سالم : عليك وعلى أمك كما مر في الحديث . قلت : هذا جرأة عظيمة وغلطة جسيمة في نسبة التخشن إلى صاحب النبوة ، فإن قول سالم عين قوله صلى الله عليه وسلم ، ثم ما ذكره بعد ذلك من الاعتذار لما يرد عليه من الاعتراض ذنب آخر أعظم منه ؛ حيث قال : فإن قلت : لم زجر النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث هلال : إذا عطس الرجل فقال : السلام عليكم العاطس وسمى أمه على سبيل الفظاظة وهو جدير بالرفق ؟ قلت : لعله قد سمع منه مرارا التشميت ، وعدل منه إلى ذلك ، فلهذا زجره ، وما كان من ابن عمر ابتداء تعليم وإرشاد ، فأقول ليته كان تفضض جميع أسنانه وأقلام بنانه ، و لم ينسب في تقريره وتحريره ، بل لم يخطر في خاطره وضميره إسناد الفظاظة إليه - صلى الله عليه وسلم - وقد قال تعالى : ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ، فإنه كفر صريح ما عنه عذر صحيح ، إذ أثبت له ما نزهه سبحانه وتعالى عنه ، ثم من أين له علم الغيب بأنه سمع منه مرارا ، وما كان من ابن عمر ابتداء مع أن هذا غير معقول ، ولا في كتب سير الأصحاب منقول أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى بعض أصحابه المؤمنين مرارا عن مثل هذا القول ، وهو عدل منه إلى المنهي عنه ، فاحتاج إلى زجره بالعدول عن رفقه اللائق به ، ونحن بحمد الله بينا لطافة كلامه في تعليم سلامه بما قدرنا عليه ، وصرحنا وأشرنا إليه مع الاعتراف بالعجز عن بلوغ فهم كلامه - صلى الله عليه وسلم - وشرف وكرم وعظم ، على أن فرقا ظاهرا بين صاحب ابن عمر وبين صاحبه - صلى الله عليه وسلم - ؛ حيث إن الأول وضع السلام المتعارف عند اللقاء مكان حمد الله حال العطاس ، والثاني زاد السلام على رسول الله بعد قوله : الحمد لله ، فالحمد لله والسلام على رسول الله ( رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث غريب ) .




الخدمات العلمية