الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 428 ] القول في تأويل قوله ( وأبرئ الأكمه والأبرص )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : " وأبرئ " وأشفي . يقال منه : " أبرأ الله المريض " إذا شفاه منه ، " فهو يبرئه إبراء " و " برأ المريض فهو يبرأ برءا " وقد يقال أيضا : " برئ المريض فهو يبرأ " لغتان معروفتان .

واختلف أهل التأويل في معنى " الأكمه " .

فقال بعضهم : هو الذي لا يبصر بالليل ، ويبصر بالنهار .

ذكر من قال ذلك :

7088 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وأبرئ الأكمه " قال : الأكمه الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل ، فهو يتكمه .

7089 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

وقال آخرون : هو الأعمى الذي ولدته أمه كذلك .

ذكر من قال ذلك :

7090 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كنا نحدث أن " الأكمه " الذي ولد وهو أعمى مغموم العينين .

7091 - حدثني المثنى قال حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة ، في قوله : " وأبرئ الأكمه والأبرص " قال : كنا نحدث أن الأكمه الذي يولد وهو أعمى ، مضموم العينين . [ ص: 429 ]

7092 - حدثت عن المنجاب قال : حدثنا بشر ، عن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : الأكمه ، الذي يولد وهو أعمى .

وقال آخرون : بل هو الأعمى .

ذكر من قال ذلك :

7093 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وأبرئ الأكمه " هو الأعمى .

7094 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : الأعمى .

7095 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " وأبرئ الأكمه " قال : الأكمه الأعمى .

7096 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد بن منصور عن الحسن في قوله : " وأبرئ الأكمه " قال : الأعمى .

وقال آخرون : هو الأعمش .

ذكر من قال ذلك :

7097 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا حفص بن عمر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة في قوله : " وأبرئ الأكمه " قال : الأعمش .

قال أبو جعفر : والمعروف عند العرب من معنى " الكمه " العمى ، يقال منه : " كمهت عينه فهي تكمه كمها ، وأكمهتها أنا " إذا أعميتها ، كما قال سويد بن أبي كاهل : [ ص: 430 ]


كمهت عينيه حتى ابيضتا فهو يلحى نفسه لما نزع



ومنه قول رؤبة :


هرجت فارتد ارتداد الأكمه     في غائلات الحائر المتهته



وإنما أخبر الله - عز وجل - عن عيسى صلوات الله عليه أنه يقول ذلك لبني إسرائيل ، احتجاجا منه بهذه العبر والآيات عليهم في نبوته ، وذلك أن : الكمه والبرص لا علاج لهما ، فيقدر على إبرائه ذو طب بعلاج ، فكان ذلك من أدلته على صدق قيله : إنه لله رسول ، لأنه من المعجزات ، مع سائر الآيات التي أعطاه الله إياها دلالة على نبوته .

فأما ما قال عكرمة من أن " الكمه " العمش ، وما قاله مجاهد : من أنه [ ص: 431 ] سوء البصر بالليل ، فلا معنى لهما . لأن الله لا يحتج على خلقه بحجة تكون لهم السبيل إلى معارضته فيها ، ولو كان مما احتج به عيسى على بني إسرائيل في نبوته ، أنه يبرئ الأعمش ، أو الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل ، لقدروا على معارضته بأن يقولوا : " وما في هذا لك من الحجة ، وفينا خلق ممن يعالج ذلك ، وليسوا لله أنبياء ولا رسلا "

ففي ذلك دلالة بينة على صحة ما قلنا ، من أن " الأكمه " هو الأعمى الذي لا يبصر شيئا لا ليلا ولا نهارا . وهو بما قال قتادة : - من أنه المولود كذلك - أشبه ، لأن علاج مثل ذلك لا يدعيه أحد من البشر ، إلا من أعطاه الله مثل الذي أعطى عيسى ، وكذلك علاج الأبرص .

التالي السابق


الخدمات العلمية