الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5979 ص: وقد دل على ذلك أيضا ما قد حكم به أصحاب رسول الله -عليه السلام- وتابعوهم من بعده، فيمن بنى في أرض قوم بغير إذنهم بناء ، فروي عنهم في ذلك ما قد حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر الضرير ، قال: أنا حماد بن سلمة ، أن عامرا الأحول أخبرهم، عن عمرو بن شعيب: " ، أن عمر بن الخطاب قال في رجل بنى في دار بناء، ثم جاء أهلها فاستحقوها، قال: إن كان بنى بأمرهم فله بيته، وإن كان بنى بغير إذنهم فله نقضه".

                                                5980 وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر، قال: ثنا أبو عوانة ، عن جابر الجعفي ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - مثله.

                                                5981 وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: ثنا أبو عوانة ، عن جابر الجعفي ، عن شريح .

                                                5982 وحدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا أبو عمر الضرير ، قال: قال حماد بن سلمة: ، عن حميد الطويل ، أخبرهم: "أن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - قد كتب مثل ذلك فيمن بنى بدار قوم، وفيمن غرس في أرض قوم".

                                                أفلا نرى أنهم قد جعلوا النقض لصاحب البناء، ولم يجعلوه لصاحب الأرض، فالزرع في النظر أيضا كذلك، والذي قد حملنا عليه معنى حديث رافع بن خديج - رضي الله عنه - الذي رويناه في هذا الباب أولى مما حمله عليه من خالفنا؛ ليتفق ذلك وما رواه البياضي عن رسول الله -عليه السلام- ولا يتضادان، وقد روينا عن رافع بن خديج في باب "المزارعة" الذي قبل هذا الباب: "أن رسول الله -عليه السلام- قد مر بزرع له، فسأله عنه، فقال: هو زرعي، والأرض لآل فلان، والبذر من قبلي بنصف ما يخرج، فقال له رسول الله -عليه السلام-: لقد أربيت، خذ نفقتك".

                                                [ ص: 352 ] فلم يكن ذلك على معنى خذ نفقتك من رب الأرض؛ لأن رب الأرض لم يأمره بالإنفاق لنفسه، ولكن معنى ذلك خذ نفقتك مما خرج من الزرع وتصدق بما بقي.

                                                فما قد رويناه عن رافع عن رسول الله -عليه السلام- فيمن قد زرع في أرض غيره وفي جعله له نفقته كذلك أيضا، وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن -رحمهم الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وقد دل على ما ذكرنا من جعل الزرع لصاحب البذر دون صاحب الأرض أيضا ما قد حكمت به الصحابة والتابعون من بعد النبي -عليه السلام- فيمن بنى في أرض قوم...إلى آخره.

                                                وأخرج في ذلك عن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن مسعود ، وشريح القاضي ، وعمر بن عبد العزيز - رضي الله عنهم -.

                                                أما عن عمر فأخرجه بسند رجاله ثقات ولكنه منقطع.

                                                عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي عمر حفص بن عمر الضرير .

                                                وأخرج ابن أبي شيبة نحوه عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: عن حفص ، عن أشعث ، عن علي بن عبيد الله الغطفاني عنه.

                                                وأما عن عبد الله بن مسعود: فأخرجه عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي عمر حفص بن عمر الضرير ، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري عن جابر بن يزيد الجعفي فيه مقال، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عن جده عبد الله بن مسعود .

                                                وهذا أيضا منقطع؛ لأن القاسم لم يدرك عبد الله .

                                                [ ص: 353 ] وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا غندر ، عن شعبة ، عن جابر ، عن القاسم ، عن شريح وعبد الله: "كانا يقولان في رجل بنى في فناء قوم بغير إذنهم أن له النقض، وإن بنى بإذنهم فله النفقة".

                                                وأما عن شريح القاضي: فأخرجه عن أبي بكرة أيضا بالإسناد المذكور.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة: عن وكيع ، عن المسعودي ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن شريح قال: "من بنى في حق قوم بغير إذنهم فله نقضه، ومن بنى في حق قوم بإذنهم فله نفقته".

                                                وأما عن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -: فأخرجه عن أبي بكرة أيضا، عن أبي عمر حفص بن عمر الضرير ، عن حماد بن سلمة ، عن حميد الطويل، أن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -.

                                                وبنحوه روى ابن أبي شيبة عن الشعبي والنخعي .

                                                قوله: "أفلا ترى" توضيح لما ذكره من قبل.

                                                قوله: "من خالفنا" بفتح اللام والفاء.




                                                الخدمات العلمية