الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القسم الثالث من الفصل الأول

في وقته

وأما وقت الأذان : فاتفق الجميع على أنه لا يؤذن للصلاة قبل وقتها ، ما عدا الصبح فإنهم اختلفوا فيها ، فذهب مالك والشافعي إلى أنه يجوز أن يؤذن لها قبل الفجر ، ومنع ذلك أبو حنيفة ، وقال قوم : لا بد [ ص: 93 ] للصبح إذا أذن لها قبل الفجر من أذان بعد الفجر ; لأن الواجب عندهم هو الأذان بعد الفجر ، وقال أبو محمد بن حزم : لا بد لها من أذان بعد الوقت ، وإن أذن قبل الوقت جاز إذا كان بينهما زمان يسير قدر ما يهبط الأول ويصعد الثاني . والسبب في اختلافهم : أنه ورد في ذلك حديثان متعارضان : أحدهما : الحديث المشهور الثابت ، وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : " إن بلالا ينادي بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ، وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت .

والثاني : ما روي عن ابن عمر : " أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر ، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرجع فينادي : ألا إن العبد قد نام " وحديث الحجازيين أثبت ، وحديث الكوفيين أيضا خرجه أبو داود ، وصححه كثير من أهل العلم ، فذهب الناس في هذين الحديثين إما مذهب الجمع ، وإما مذهب الترجيح ، فأما من ذهب مذهب الترجيح فالحجازيون ، فإنهم قالوا : حديث بلال أثبت والمصير إليه أوجب .

وأما من ذهب مذهب الجمع فالكوفيون ، وذلك أنهم قالوا : يحتمل أن يكون نداء بلال في وقت يشك فيه في طلوع الفجر ; لأنه كان في بصره ضعف ، ويكون نداء ابن أم مكتوم في وقت يتيقن فيه طلوع الفجر ، ويدل على ذلك ما روي عن عائشة أنها قالت : " لم يكن بين أذانيهما إلا بقدر ما يهبط هذا ويصعد هذا " وأما من قال إنه يجمع بينهما : ( أعني : أن يؤذن قبل الفجر وبعده ) فعلى ظاهر ما روي من ذلك في صلاة الصبح خاصة ( أعني أنه كان يؤذن لها في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤذنان بلال وابن أم مكتوم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية