الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[فصل]

قال المصنف رحمه الله : وهذا الذي نهينا عنه من التقلل الزائد في الحد ، قد انعكس في صوفية زماننا فصارت همتهم في المأكل كما كانت همة متقدميهم في الجوع . لهم الغداء والعشاء والحلوى ، وكل ذلك أو أكثره حاصل من أموال وسخة ، وقد تركوا كسب الدنيا ، وأعرضوا عن التعبد وافترشوا فراش البطالة فلا همة لأكثرهم إلا الأكل واللعب . فإن أحسن محسن منهم قالوا : طرح شكرا . وإن أساء مسيء . قالوا استغفر ، ويسمون ما يلزمه إياه واجبا . وتسمية ما لم يسمه الشرع واجبا جناية عليه . أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز ، أحمد بن علي بن ثابت ، نا محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد الحافظ النيسابوري ، ثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ، ثنا أحمد بن سلمة ، ثنا محمد بن عبدوس السراج البغدادي ، قال : قام أبو مرحوم القاضي بالبصرة يقص على الناس فأبكى فلما فرغ من قصصه قال من يطعمنا إرزة في الله فقام شاب من المجلس فقال أنا فقال اجلس يرحمك الله فقد عرفنا موضعك ثم قام الثانية ذلك الشاب فقال اجلس فقد عرفنا موضعك فقام الثالثة فقال أبو مرحوم لأصحابه قوموا بنا إليه فقاموا معه فأتوا منزله قال فأتينا بقدر من باقلاء فأكلنا بلا ملح ثم قال أبو مرحوم علي بخوان خماسي وخمس مكاكيك أرز ، وخمسة أمنان سمن ، وعشرة أمنان سكر ، وخمسة أمنان صنوبر ، وخمسة أمنان فستق ، فجيء بها كلها ، فقال أبو مرحوم لأصحابه : يا إخواني كيف أصبحت الدنيا قالوا مشرق لونها ، مبيضة شمسها ، اخرقوا فيها أنهارها قال فأتي بذلك السمن فأجرى فيها ثم أقبل أبو مرحوم على أصحابه فقال يا إخواني كيف أصبحت الدنيا ، قالوا مشرق لونها ، مبيضة شمسها ، مجراة فيها أنهارها فقال يا إخواني اغرسوا فيها أشجارها قال فأتي بذلك الفستق والصنوبر ، فألقي فيها ثم أقبل أبو مرحوم على أصحابه فقال : يا إخواني كيف أصبحت الدنيا ، قالوا : مشرق لونها ، مبيض شمسها ، مجري فيها أنهارها ، وقد غرست فيها أشجارها ، وقد تدلت لنا ثمارها ، قال يا إخواني ارموا الدنيا بحجارتها قال : فأتي بذلك السكر فألقي فيها ، ثم أقبل أبو مرحوم على أصحابه فقال يا إخواني كيف أصبحت الدنيا قالوا : مشرق لونها مبيضة شمسها وقد أجريت فيها أنهارها وقد غرست فيها أشجارها ، وقد تدلت لنا ثمارها ، فقال يا إخواني : ما لنا وللدنيا اضربوا فيها براحتها ، [ ص: 215 ] قال : فجعل الرجل يضرب فيها براحته ويدفعه بالخمس قال أبو الفضل أحمد بن سلمة ذكرته لأبي حاتم الرازي فقال إمله علي فأمليته عليه فقال : هذا شأن الصوفية .

قال المصنف رحمه الله قلت : وقد رأيت منهم من إذا حضر دعوة بالغ في الأكل ثم اختار من الطعام فربما ملأ كميه من غير إذن صاحب الدار وذلك حرام بالإجماع ولقد رأيت شيخا منهم قد أخذ شيئا من الطعام ليحمله معه فوثب صاحب الدار فأخذه منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية