الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في الوجد .

قال المصنف رحمه الله : هذه الطائفة إذا سمعت الغناء تواجدت ، وصفقت وصاحت ومزقت الثياب ، وقد لبس عليهم إبليس في ذلك وبالغ . وقد احتجوا [ ص: 243 ] بما أخبرنا به أبو الفتح محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا أبو علي الحسن بن محمد بن الفضل الكرماني قال أخبرنا أبو الحسن سهل بن علي الخشاب قال أخبرنا أبو نصر عبد الله بن علي السراج الطوسي . قال وقد قيل له : إنه لما نزلت : ( وإن جهنم لموعدهم أجمعين ) صاح سلمان الفارسي صيحة ووقع على رأسه ثم خرج هاربا ثلاثة أيام . واحتجوا بما أخبرنا به عبد الوهاب بن المبارك الحافظ قال أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط قال أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست قال أخبرنا الحسين بن صفوان قال حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد القرشي قال أخبرنا علي بن الجعد قال حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عيسى بن سليم ، عن أبي وائل . قال خرجنا مع عبد الله ومعنا الربيع بن خثيم فمررنا على حداد فقام عبد الله ينظر إلى حديدة في النار فنظر الربيع إليها فمال ليسقط ثم إن عبد الله مضى حتى أتينا على أتون على شاطئ الفرات فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه قرأ هذه الآية : ( إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ) إلى قوله ( ثبورا كثيرا ) فصعق الربيع واحتملناه إلى أهله ورابطه عبد الله حتى يصلي الظهر فلم يفق ثم رابطه إلى العصر فلم يفق ثم رابطه إلى المغرب فأفاق فرجع عبد الله إلى أهله . قالوا : وقد اشتهر عن خلق كثير من العباد أنهم كانوا إذا سمعوا القرآن فمنهم من يموت ، ومنهم من يصعق ويغشى عليه ، ومنهم من يصيح ، وهذا كثير في كتب الزهد : والجواب أما ما ذكره عن سلمان فمحال وكذب ، ثم ليس له إسناد والآية نزلت بمكة وسلمان إنما أسلم بالمدينة ، ولم ينقل عن أحد من الصحابة مثل هذا أصلا ، وأما حكاية الربيع بن خثيم فإن راويها عيسى بن سليم وفيه معمر . أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك الحافظ قال أخبرنا أبو بكر محمد المظفر الشامي قال أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي قال أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن أحمد الصيدلاني قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي : قال : قال أحمد بن حنبل عيسى بن سليم ، عن أبي وائل لا أعرفه . قال العقيلي : وحدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني ابن آدم . قال سمعت حمزة الزيات قال لسفيان إنهم يروون عن الربيع بن خثيم أنه صعق . قال : ومن يروي هذا إنما كان يرويه ذاك [ ص: 244 ] القاص - يعني عيسى بن سليم - فلقيته فقلت : عمن تروي أنت ذا - منكرا عليه.

قال المصنف رحمه الله قلت : فهذا سفيان الثوري ينكر أن يكون الربيع بن خثيم جرى له هذا لأن الرجل كان على السمت الأول ، وما كان في الصحابة من يجري له مثل هذا ولا التابعين . ثم نقول على تقدير الصحة : إن الإنسان قد يغشى عليه من الخوف فيسكنه الخوف ويسكنه فيبقى كالميت وعلامة الصادق أنه لو كان على حائط لوقع لأنه غائب . فأما من يدعي الوجد ويتحفظ من أن تزل قدمه ثم يتعدى إلى تخريق الثياب وفعل المنكرات في الشرع فإنا نعلم قطعا أن الشيطان يلعب به .

وأخبرنا أبو منصور القزاز قال أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرنا محمد بن علي بن الفتح قال أخبرنا محمد بن الحسين النيسابوري قال سمعت أحمد بن محمد بن زكريا يقول سمعت أحمد بن عطاء يقول : كان للشبلي يوم الجمعة نظرة ومن بعدها صيحة فصاح يوما صيحة تشوش من حوله من الخلق وكان بجنب حلقته حلقة أبي عمران الأشيب فحرد أبو عمران وأهل حلقته .

قال المصنف رحمه الله : واعلم وفقك الله أن قلوب الصحابة كانت أصفى القلوب . وما كانوا يزيدون عند الوجد على البكاء والخشوع . فجرى من بعض غرائبهم نحو ما أنكرناه فبالغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنكار عليه . فأخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال أنبأنا أحمد بن علي بن خلف قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ وأنبأنا ابن الحصين قال أنبأنا أبو علي بن المذهب قال أخبرنا أبو حفص بن شاهين قال حدثنا عثمان بن أحمد بن عبد الله قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الحميد الجعفي قال حدثنا عبد المتعال بن طالب قال حدثنا يوسف بن عطية ، عن ثابت ، عن أنس قال : وعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فإذا رجل قد صعق . فقال النبي صلى الله عليه وسلم من ذا الملبس علينا ديننا إن كان صادقا فقد شهر نفسه وإن كان كاذبا فمحقه الله . قال ابن شاهين وحدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث قال حدثنا عبد الله بن يوسف الجبيري قال حدثنا روح بن عطاء بن أبي ميمون عن أبيه عن أنس بن مالك . قال ذكر عنده هؤلاء الذين يصعقون عند القراءة فقال أنس : لقد رأيتنا ووعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم حتى سمعنا للقوم حنينا حين أخذتهم الموعظة وما سقط منهم أحد

[ ص: 245 ] قال المصنف رحمه الله : وهذا حديث العرباض بن سارية . وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب . قال أبو بكر الآجري ولم يقل صرخنا ولا ضربنا صدورنا كما يفعل كثير من الجهال الذين يتلاعب بهم الشيطان . أخبرنا عبد الله بن علي المقري قال أخبرنا أبو ياسر أحمد بن بندار بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن عمر بن بكير النجار قال أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال أخبرنا إبراهيم بن عبد الله البصري قال حدثنا أبو عمر حفص بن عبد الله الضرير قال أخبرنا خالد بن عبد الله الواسطي قال حدثنا حصين بن عبد الرحمن قال قلت لأسماء بنت أبي بكر : كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله عند قراءة القرآن ، قالت كانوا كما ذكرهم الله أو كما وصفهم عز وجل تدمع عيونهم وتقشعر جلودهم . فقلت لها إن ههنا رجالا إذا قرئ على أحدهم القرآن غشي عليه فقالت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

أخبرنا محمد بن ناصر ، نا جعفر بن محمد السراج ، نا الحسن بن علي التميمي ، نا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا الوليد بن شجاع ، ثنا إسحاق الحلبي ، ثنا فرات ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة قال : سألت أسماء بنت أبي بكر هل كان أحد من السلف يغشى عليه من الخوف قالت : لا ولكنهم كانوا يبكون .

أخبرنا ابن ناصر ، نا جعفر بن أحمد ، نا الحسن بن علي التميمي وأخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد ، نا حمد بن أحمد الحداد ، نا أبو نعيم الحافظ قالا أخبرنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، ثنا سريح بن يونس ، ثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، عن أبي حازم قال مر ابن عمر رضي الله عنه برجل ساقط من العراق . فقال : ما شأنه ؟ فقالوا : إذا قرئ عليه القرآن يصيبه هذا . قال : إنا لنخشى الله عز وجل وما نسقط .

أخبرنا سعيد بن أحمد بن البنا ، نا أبو سعد محمد بن علي الرستمي ، نا أبو الحسين بن بشران ، ثنا إسماعيل بن محمد الصفار ، ثنا سعدان بن نصر ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن عبد الله بن أبي بردة عن ابن عباس . أنه ذكر الخوارج وما يلقون عند تلاوة القرآن . فقال إنهم ليسوا بأشد اجتهادا من اليهود والنصارى وهم مضلون .

أنبأنا ابن الحصين ، نا أبو علي بن المذهب ، نا أبو حفص بن شاهين ، ثنا محمد بن [ ص: 246 ] بكر بن عبد الرزاق ، نا إبراهيم بن فهد ، عن إبراهيم بن الحجاج الشامي ، ثنا شبيب بن مهران عن قتادة . قال قيل لأنس بن مالك : إن ناسا إذا قرئ عليهم القرآن يصعقون فقال : ذاك فعل الخوارج .

أخبرنا محمد بن ناصر ، نا عبد الرحمن بن أبي الحسين بن يوسف ، نا عمر بن علي بن الفتح ، نا أحمد بن محمد الكاتب ، ثنا عبد الله بن المغيرة ، ثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال بلغ عبد الله بن الزبير أن ابنه عامرا صحب قوما يتصعقون عند قراءة القرآن . فقال له : يا عامر لأعرفن ما صحبت الذين يصعقون عند القرآن لأوسعك جلدا .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد ، نا حمد بن أحمد الحداد ، نا أبو نعيم الحافظ ، ثنا سليمان بن أحمد ، ثنا محمد بن العباس ، ثنا الزبير بن بكار ثني عبد الله بن مصعب بن ثابت ، عن عبد الله بن الزبير قال ثني أبي عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال : جئت إلى أبي فقال لي . أين كنت . فقلت : وجدت أقواما ما رأيت خيرا منهم . يذكرون الله عز وجل فيرعد أحدهم حتى يخشى عليه من خشية الله عز وجل فقعدت معهم قال : لا تقعد معهم بعدها . فرآني كأني لم يأخذ ذلك في فقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن ورأيت أبا بكر وعمر يتلوان القرآن ولا يصيبهم هذا أفتراهم أخشع لله من أبي بكر وعمر . فرأيت أن ذلك كذلك فتركتهم .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، نا حمد بن أحمد ، نا أبو نعيم الحافظ ، نا محمد بن أحمد في كتابه ثنا محمد بن أيوب ، ثنا حفص بن عمر النميري ، ثنا حماد بن زيد ، ثنا عمرو بن مالك قال : بينا نحن عند أبي الجوزاء يحدثنا إذ خر رجل فاضطرب فوثب أبو الجوزاء يسعى قبله فقيل له ، يا أبا الجوزاء ، إنه رجل به الموتة فقال : إنما كنت أراه من هؤلاء القفازين ولو كان منهم لأمرت به فأخرج من المسجد إنما ذكرهم الله تعالى فقال ( أعينهم تفيض من الدمع ) أو قال " تقشعر جلودهم "

أخبرنا أبو محمد بن علي المقري ، نا أحمد بن بندار بن إبراهيم ، نا محمد بن عمر بن بكير النجار ، نا أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا إبراهيم بن عبد الله البصري ثنا [ ص: 247 ] أبو عمر حفص بن عمر الضرير ، نا حماد بن زيد ثني عمر بن مالك البكري قال قرأ قارئ عند أبي الجوزاء قال فصاح رجل من أخريات القوم أو قال من القوم . فقام إليه أبو الجوزاء فقيل له . يا أبا الجوزاء إنه رجل به شيء فقال طبيب إنه من هؤلاء النفارين فلو كان منهم لوضعت رجلي على عنقه . وقال أبو عمر أخبرنا جرير بن حازم أنه شهد محمد بن سيرين وقيل له إن ههنا رجالا إذا قرئ على أحدهم القرآن غشي عليه . فقال محمد بن سيرين . يقعد أحدهم على جدار ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره فإن وقع فهو صادق قال أبو عمرو : وكان محمد بن سيرين يذهب إلى أن هذا تصنع وليس بحق من قلوبهم .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، ثنا حمد بن أحمد ، نا أبو نعيم الحافظ ، ثنا أبو محمد بن حبان ، ثنا محمد بن العباس ، ثنا زياد ، عن يحيى ، عن عمران بن عبد العزيز قال سمعت محمد بن سيرين وسئل عن من يستمع القرآن فيصعق . فقال ميعاد ما بيننا وبينهم أن يجلسوا على حائط فيقرأ عليهم القرآن من أوله إلى آخره فإن سقطوا فهم كما يقولون .

أخبرنا ابن ناصر ، نا أبو طاهر عبد الرحمن بن أبي الحسين بن يوسف ، نا محمد بن علي العشاري ، نا محمد بن عبد الله الدقاق ، نا الحسين بن صفوان ، ثنا أبو بكر القرشي ، ثنا محمد بن علي ، عن إبراهيم بن الأشعث . قال سمعت أبا عصام الرملي عن رجل عن الحسن أنه وعظ يوما فتنفس رجل في مجلسه . فقال الحسن إن كان لله تعالى فقد شهرت نفسك ، وإن كان لغير الله فقد هلكت .

أخبرنا بن ناصر ، نا جعفر بن أحمد ، نا الحسن بن علي ، نا أحمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن أحمد ثني أبي ثنا روح ، ثنا السري بن يحيى ، ثنا عبد الكريم بن رشيد قال : كنت في حلقة الحسن فجعل رجل يبكي وارتفع صوته . فقال الحسن إن الشيطان ليبكي هذا الآن .

أخبرنا محمد بن ناصر ، نا أبو غالب عمر بن الحسين الباقلاني ، نا أبو العلاء الواسطي ، نا محمد بن الحسين الأزدي ، ثنا إبراهيم بن رحمون ، ثنا إسحاق بن إبراهيم البغدادي قال سمعت أبا صفوان يقول قال الفضيل بن عياض لابنه وقد سقط [ ص: 248 ] يا بني إن كنت صادقا لقد فضحت نفسك وإن كنت كاذبا فقد أهلكت نفسك .

أخبرنا أبو بكر بن حبيب ، نا أبو سعد بن أبي صادق ، نا ابن باكويه ، ثنا محمد بن أحمد النجار ، ثنا المرتعش قال رأيت أبا عثمان سعيد بن عثمان الواعظ وقد تواجد إنسان بين يديه . فقال له : يا بني إن كنت صادقا فقد أظهرت كل ما لك ، وإن كنت كاذبا فقد أشركت بالله .

التالي السابق


الخدمات العلمية