الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[فصل]

: فإذا اشتد طربهم رموا ثيابهم على المغني فمنهم من يرمي بها صحاحا ومنهم من يخرقها ثم يرمي بها وقد احتج لهم بعض الجهال فقال هؤلاء في غيبة فلا يلامون فإن موسى عليه السلام لما غلب عليه الغم بعبادة قومه العجل رمى الألواح فكسرها ولم يدر ما صنع : والجواب أن نقول من يصحح عن موسى بأنه رماها رمي كاسر والذي ذكر في القرآن إلقاءها فحسب فمن أين لنا أنها تكسرت ، ثم لو قيل تكسرت فمن أين لنا أنه قصد كسرها ثم لو صححنا ذلك عنه قلنا : كان في غيبة حتى لو كان بين يديه حينئذ بحر من نار لخاضه ومن يصحح لهؤلاء غيبتهم وهم يعرفون المغني من غيره ويحذرون من بئر إن كانت عندهم . ثم كيف يقاس أحوال الأنبياء على أحوال هؤلاء السفهاء ولقد رأيت [ ص: 253 ] شابا من الصوفية يمشي في الأسواق ويصيح والغلمان يمشون خلفه وهو يبربر ويخرج إلى الجمعة فيصيح صيحات وهو يصلي الجمعة فسئلت عن صلاته ، فقلت : إن كان وقت صياحه غائبا فقد بطل وضوءه وإن كان حاضرا فهو متصنع وكان هذا الرجل جلدا لا يعمل شيئا . بل يدار له بزنبيل في كل يوم فيجمع له ما يأكل هو وأصحابه فهذه حالة المتأكلين لا المتوكلين . ثم لو قدرنا أن القوم يصيحون عن غيبة فإن تعرضهم لما يغطي على العقول من سماع ما يطرب منهي عنه كالتعرض لكل ما غالبه الأذى وقد سئل ابن عقيل عن تواجدهم وتخريق ثيابهم فقال خطأ وحرام وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وعن شق الجيوب فقال له قائل . فإنهم لا يعقلون ما يفعلون . قال إن حضروا هذه الأمكنة مع علمهم أن الطرب يغلب عليهم فيزيل عقولهم أثموا بما يدخل عليهم من التخريق وغيره مما يفسد ولا يسقط عنهم خطاب الشرع لأنهم مخاطبون قبل الحضور بتجنب هذه المواضع التي تفضي إلى ذلك كما هم منهيون عن شرب المسكر فإذا سكروا وجرى منهم إفساد الأموال لم يسقط الخطاب لسكرهم كذلك هذا الطرب الذي يسميه أهل التصوف وجدا إن صدقوا فيه فسكر طبع وإن كذبوا فنبيذ ومع الصحو فلا سلامة فيه مع الحالين وتجنب مواضع الريب واجب .

واحتج لهم ابن طاهر في تخريقهم الثياب بحديث عائشة رضي الله عنها قالت . نصبت حجلة لي فيها رقم فمدها النبي صلى الله عليه وسلم فشقها .

قال المصنف رحمه الله : فانظر إلى فقه هذا الرجل المسكين كيف يقيس حال من يمزق ثيابه فيفسدها وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال على مد ستر ليحط فانشق لا عن قصد . أو كان عن قصد لأجل الصور التي كانت فيه : وهذا من التشديد في حق الشارع عن المنهيات كما أمر بكسر الدنان في الخمور فإن ادعى مخرق ثيابه أنه غائب قلنا الشيطان غيبك لأنك لو كنت مع الحق لحفظك فإن الحق لا يفسد .

وقد أخبرنا محمد بن أبي القاسم ، نا حمد بن أحمد ، نا أبو نعيم الحافظ ، ثنا محمد بن علي بن حشيش ، ثنا عبد الله بن الصقر ، ثنا الصلت بن مسعود ، ثنا جعفر بن سليمان قال سمعت أبا عمران الجوني يقول وعظ موسى بن عمران عليه السلام يوما [ ص: 254 ] فشق رجل منهم قميصه فأوحى الله عز وجل لموسى قل لصاحب القميص لا يشق قميصه أيشرح لي عن قلبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية