الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو نفى الولد يلاعن ; لأنه يثبت نسب الولد بالنكاح لا بشهادة القابلة ، وإنما الثابت بشهادتها الولادة وتعين أي الذي ولدته هذا لجواز أنها ولدت ميتا أو حيا ثم مات فإذا نفى الولد فقد صار قاذفا لأمه بالزنا ، وقذف الزوجة بالزنا يوجب اللعان .

                                                                                                                                وكذلك إذا قال لأمته : إن كان في بطنك ولد فهو مني فشهدت امرأة على الولادة تصير الجارية أم ولد ; لأن النسب يثبت بفراش الملك عند الدعوة .

                                                                                                                                وقوله : إن كان في بطنك ولد فهو مني دعوى النسب والحاجة بعد ذلك إلى الولادة وتعين الولد ، وذلك يثبت بشهادة القابلة وإذا ثبت النسب صارت الجارية أم ولد له ضرورة ; لأن أمية الولد من ضرورات ثبوت النسب .

                                                                                                                                ولو قال لامرأته : إذا ولدت فأنت طالق ، فقالت : ولدت ، وأنكر الزوج الولادة فشهدت قابلة على الولادة يثبت النسب بالإجماع

                                                                                                                                وإن لم يكن الزوج أقر بالحبل ولا كان الحبل ظاهرا فهل يقع الطلاق ؟ قال أبو حنيفة : لا يقع ما لم يشهد على الولادة رجلان أو رجل وامرأتان .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف ومحمد : يقع بشهادة القابلة إذا كانت عدلا .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما أن الولادة قد تثبت بشهادة القابلة بالإجماع ولهذا ثبت النسب ومن ضرورة ثبوت الولادة وقوع الطلاق ; لأنه معلق بها ولأبي حنيفة أن شهادة القابلة حجة ضرورية ; لأنها شهادة فرد ثم هو أنثى فيظهر فيما فيه الضرورة ، وفيما هو من ضرورات تلك الضرورة ، والضرورة في الولادة ، فيظهر فيها ، فتثبت الولادة ، ووقوع الطلاق ليس من ضرورات الولادة لتصور الولادة بدون الطلاق في الجملة فلا ضرورة إلى إثبات الولادة في حق وقوع الطلاق فلا يثبت في حقه .

                                                                                                                                والنسب ما ثبت بالشهادة وإنما يثبت بالفراش لقيام النكاح ، وإنما الثابت بالشهادة الولادة ، وتعين الولد ووقوع الطلاق ليس من ضرورات الولادة ولا من ضرورات ثبوت النسب أيضا ، فلم يكن من ضرورة الولادة وثبوت النسب وقوع الطلاق ، وإن كان الزوج قد أقر بالحبل أو كان الحبل ظاهرا يقع الطلاق بمجرد قولها وإن لم تشهد القابلة في قول أبي حنيفة .

                                                                                                                                وعندهما لا يقع إلا بشهادة القابلة .

                                                                                                                                ولا خلاف في أن النسب لا يثبت بدون شهادة القابلة ( وجه ) قولهما أن المرأة تدعي وقوع الطلاق والأصل أن المدعي لا يعطي شيئا بمجرد الدعوى ; لأن دعوى المدعي عارضها إنكار المنكر وقد قال صلى الله عليه وسلم " لو أعطي الناس بدعواهم " الحديث إلا فيما لا يوقف عليه من جهة غيره فيجعل القول فيه قوله للضرورة ، كما في الحيض .

                                                                                                                                والولادة أمر يمكن الوقوف عليه من جهة غيرها فلا يقبل قولها فيه .

                                                                                                                                ولهذا لم يثبت النسب بقولها بدون شهادة القابلة .

                                                                                                                                كذا وقوع الطلاق ; لأنها تدعي وهو ينكر .

                                                                                                                                والقول قول المنكر حتى يقيم للمدعي حجته .

                                                                                                                                وجه قول أبي حنيفة أنه قد ثبت الحبل وهو كون الولد في البطن بإقرار الزوج بالحبل أو يكون الحبل ظاهرا وأنه يفضي إلى الولادة لا محالة ; لأن الحمل يوضع لا محالة فكانت الولادة أمرا كائنا لا محالة فيقبل فيه قولها كما في دم الحيض حتى لو قال لامرأته : إذا حضت فأنت طالق ، فقالت : حضت ، يقع الطلاق .

                                                                                                                                كذا ههنا إلا أنه لم يقبل قولها في حق إثبات النسب بدون شهادة القابلة ; لأنها متهمة في تعيين الولد فلا تصدق على التعيين في حق إثبات النسب ولا تهمة في التعيين في حق وقوع الطلاق فتصدق فيه من غير شهادة القابلة ، ونظيره ما إذا قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق وامرأتي الأخرى فلانة معك ، فقالت حضت ، وكذبها الزوج تطلق هي ولا تطلق ضرتها ويثبت حيضها في حقها ولا يثبت في حق ضرتها إلا بتصديق الزوج لكونها متهمة في حق ضرتها وانتفاء التهمة في حق نفسها .

                                                                                                                                كذا ههنا ، والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية