الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما استئجار الصناع من الحائك ، والخياط والصباغ ، ونحوهم .

                                                                                                                                فالخلاف إن كان في الجنس بأن دفع ثوبا إلى صباغ ليصبغه لونا فصبغه لونا آخر فصاحب الثوب بالخيار : إن شاء ضمنه قيمة ثوب أبيض ، وسلم الثوب للأجير ، وإن شاء أخذ الثوب ، وأعطاه ما زاد الصبغ فيه إن كان الصبغ مما يزيد .

                                                                                                                                أما خيار التضمين فلفوات غرضه ; لأن الأغراض تختلف باختلاف الألوان فله أن يضمنه قيمة ثوب أبيض لتفويته عليه منفعة مقصودة ، فصار متلفا الثوب عليه ، فكان له أن يضمنه ، وإن شاء أخذ الثوب ; لأن الضمان وجب حقا له فله أن يسقط حقه ، ولا أجر له ; لأنه لم يأت بما وقع عليه العقد رأسا حيث لم يوف العمل المأذون فيه أصلا ، فلا يستحق الأجر ، كالغاصب إذا صبغ الثوب المغصوب ، ويعطيه ما زاد الصبغ فيه إن كان الصبغ مما يزيد كالحمرة ، والصفرة ونحوهما ; لأنه عين مال قائم بالثوب فلا سبيل إلى أخذه مجانا بلا عوض فيأخذه ، ويعطيه ما زاد الصبغ فيه رعاية للحقين ونظرا من الجانبين كالغاصب ، وإن كان الصبغ مما لا يزيد كالسواد على أصل أبي حنيفة فاختار أخذ الثوب لا يعطيه شيئا بل يضمنه نقصان الثوب في قول أبي حنيفة ، بناء على أن السواد لا قيمة له عنده فلا يزيد بل ينقص ، وعندهما له قيمة فكان حكمه حكم سائر الألوان ، ولو استأجر أرضا ليزرعها حنطة فزرعها رطبة ضمن ما نقصها ; لأن الرطبة مع الزرع جنسان مختلفان إذ الرطبة ليست لها نهاية معلومة ، بخلاف الزرع ، وكذا الرطبة تضر بالأرض ما لا يضرها الزرع ، فصار بالاشتغال بزراعة الرطبة غاصبا إياها بل متلفا ، ولا أجر له ; لأن الأجر مع الضمان لا يجتمعان ، وقال هشام عن محمد في رجل أمر إنسانا أن ينقش في فضة اسمه ، فنقش اسم غيره أنه يضمن الخاتم ; لأنه فوت الغرض المطلوب من الخاتم ، وهو الختم به فصار كالمتلف إياه قال : وإذا أمر رجلا أن يحمر له بيتا فخضره قال محمد : أعطيه ما زادت الخضرة فيه ، ولا أجرة له ; لأنه لم يعمل ما استأجره عليه رأسا فلا يستحق الأجرة ، ولكن يستحق قيمة الصبغ الذي زاد في البيت لما مر ، ولو دفع إلى خياط ثوبا ليخيطه قميصا بدرهم فخاطه قباء فإن شاء ضمنه قيمة الثوب ، وإن شاء أخذ القباء ، وأعطاه أجر مثله لا يجاوز به ما سمي ; لأن القباء ، والقميص مختلفان في الانتفاع فصار مفوتا منفعة مقصودة فصار متلفا الثوب عليه فله أن يضمنه ، وله أن يأخذه ، ويعطيه أجر مثله لما قلنا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية