الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحامل إذا قتلت عمدا لا تقتل حتى تضع ما في بطنها وحتى تكفل ولدها . ذكره ابن ماجه في " سننه " .

[ ص: 21 ] وقضى أن لا يقتل الوالد بالولد . ذكره النسائي وأحمد .

وقضى أن المؤمنين تتكافأ دماؤهم ، ولا يقتل مؤمن بكافر .

[ ص: 22 ] وقضى أن من قتل له قتيل ، فأهله بين خيرتين ، إما أن يقتلوا أو يأخذوا العقل .

وقضى أن في دية الأصابع من اليدين والرجلين في كل واحدة عشرا من الإبل . وقضى في الأسنان في كل سن بخمس من الإبل ، وأنها كلها سواء ، وقضى في المواضح بخمس خمس .

وقضى في العين السادة لمكانها إذا طمست بثلث ديتها ، وفي اليد الشلاء إذا قطعت بثلث ديتها ، وفي السن السوداء إذا نزعت بثلث ديتها .

[ ص: 23 ] وقضى في الأنف إذا جدع كله بالدية كاملة ، وإذا جدعت أرنبته بنصف الدية .

وقضى في المأمومة بثلث الدية ، وفي الجائفة بثلثها ، وفي المنقلة بخمسة عشر من الإبل . وقضى في اللسان بالدية ، وفي الشفتين بالدية ، وفي البيضتين بالدية ، وفي الذكر بالدية ، وفي الصلب بالدية ، وفي العينين بالدية ، وفي إحداهما بنصفها ، وفي الرجل الواحدة بنصف الدية ، وفي اليد بنصف الدية ، وقضى أن الرجل يقتل بالمرأة .

وقضى أن دية الخطأ على العاقلة مائة من الإبل ، واختلفت الرواية عنه في أسنانها ، ففي السنن الأربعة عنه من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : ثلاثون بنت مخاض ، وثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقة ، وعشرة بني لبون ذكر .

[ ص: 24 ] قال الخطابي : ولا أعلم أحدا من الفقهاء قال بهذا .

وفيها أيضا من حديث ابن مسعود : أنها أخماس : عشرون بنت مخاض ، وعشرون بنت لبون ، وعشرون ابن مخاض ، وعشرون حقة ، وعشرون جذعة .

وقضى في العمد إذا رضوا بالدية ثلاثين حقة ، وثلاثين جذعة ، وأربعين خلفة ، وما صولحوا عليه ، فهو لهم .

فذهب أحمد وأبو حنيفة إلى القول بحديث ابن مسعود رضي الله عنهما ، وجعل الشافعي ومالك بدل ابن مخاض ابن لبون ، وليس في واحد من الحديثين .

وفرضها النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الإبل مائة من الإبل ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاء ألفي شاة ، وعلى أهل الحلل مائتي حلة .

وقال عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم جعلها ثمانمائة دينار ، أو ثمانمائة آلاف درهم ، ذكر أهل السنن الأربعة من حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رجلا قتل ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني [ ص: 25 ] عشر ألفا .

وثبت عن عمر أنه خطب فقال : إن الإبل قد غلت ، ففرضها على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاء ألفي شاة ، وعلى أهل الحلل مائتي حلة ، وترك دية أهل الذمة ، فلم يرفعها فيما رفع من الدية .

وقد روى أهل السنن الأربعة عنه صلى الله عليه وسلم : ( دية المعاهد نصف دية الحر ) .

ولفظ ابن ماجه : " قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين ، وهم اليهود والنصارى " .

واختلف الفقهاء في ذلك ، فقال مالك : ديتهم نصف دية المسلمين في الخطأ والعمد ، وقال الشافعي : ثلثها في الخطأ والعمد . وقال أبو حنيفة : بل كدية المسلم في الخطأ والعمد . وقال الإمام أحمد : مثل دية المسلم في العمد . وعنه في الخطأ روايتان ، إحداهما : نصف الدية ، وهي ظاهر مذهبه . والثانية : ثلثها ، [ ص: 26 ] فأخذ مالك بظاهر حديث عمرو بن شعيب ، وأخذ الشافعي بأن عمر جعل ديته أربعة آلاف ، وهي ثلث دية المسلم ، وأخذ أحمد بحديث عمرو إلا أنه في العمد ضعف الدية عقوبة لأجل سقوط القصاص ، وهكذا عنده من سقط عنه القصاص ، ضعفت عليه الدية عقوبة ، نص عليه توقيفا ، وأخذ أبو حنيفة بما هو أصله من جريان القصاص بينهما ، فتتساوى ديتهما .

وقضى صلى الله عليه وسلم أن عقل المرأة مثل عقل الرجل إلى الثلث من ديتها ، ذكره النسائي . فتصير على النصف من ديته ، وقضى بالدية على العاقلة ، وبرأ منها الزوج ، وولد المرأة القاتلة .

وقضى في المكاتب أنه إذا قتل يودى بقدر ما أدى من كتابته دية الحر ، وما بقي فدية المملوك ، قلت : يعني قيمته . وقضى بهذا القضاء علي بن أبي طالب ، وإبراهيم النخعي ، ويذكر رواية عن أحمد ، وقال عمر : إذا أدى شطر كتابته كان غريما ، ولا يرجع رقيقا ، وبه قضى عبد الملك بن مروان . وقال ابن مسعود : إذا أدى الثلث ، وقال عطاء : إذا أدى ثلاثة أرباع الكتابة ، فهو غريم ، والمقصود : أن هذا القضاء النبوي لم تجمع الأمة على تركه ، ولم يعلم نسخه .

وأما حديث ( المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ) فلا معارضة بينه وبين هذا القضاء ، فإنه في الرق بعد ، ولا تحصل حريته التامة إلا بالأداء .

التالي السابق


الخدمات العلمية