الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) فسخت الإجارة ( برشد صغير عقد عليه ) نفسه ( أو على سلعه ) كدابته وداره ( ولي ) أب أو وصي أو مقام فبلغ أثناء المدة رشيدا فقوله : وبرشد معطوف على بتلف بدليل الباء أي ، وفسخت بتلف ما ، وفسخت برشد ، ومعنى الفسخ إن شاء الصغير فهو مخير في الحقيقة وعطفه على إن تبين يبعده إعادة الباء ، وفي نسخة كرشد صغير بالكاف ، وهو تشبيه في التخيير ، وهي ظاهرة والرشد يعتبر في العقد على نفسه أو على سلعه كما هو ظاهره وقد صرح به في التوضيح وقوله : ( إلا لظن عدم بلوغه ) قبل انقضاء المدة ( و ) الحال أنه قد ( بقي ) منها اليسير ( كالشهر ) فيلزمه بقاء المدة ، ولا خيار له ظاهره أنه راجع للمسألتين ، وهو مذهب أشهب ، وهو ضعيف والمذهب أنه خاص بالأولى .

والحاصل أن محل خياره في العقد على نفسه أن يظن الولي حال العقد عليه بلوغه في مدة الإجارة أو لم يظن شيئا مطلقا أو ظن عدم بلوغه فيها فبلغ رشيدا وقد بقي منها كثير بأن زاد على كالشهر فإن ظن عدمه فيها فبلغ فيها وقد بقي اليسير كالشهر ويسير الأيام فلا خيار له ويلزمه البقاء لتمامها ، وأما في إجارة سلعه فإن بلغ سفيها فلا خيار له ، ولا يعتبر في العقد على سلعه ظن رشد ، ولا عدمه وكذا إن بلغ رشيدا وقد ظن الولي عدم بلوغه في مدة الإجارة مطلقا بقي اليسير أو الكثير فإن ظن البلوغ أو لم يظن شيئا فله الخيار فعلم أن الذي يخص المسألة الأولى هو قوله : وبقي كالشهر وشبه في حكم المستثنى ، وهو اللزوم قوله : ( كسفيه ) عقد وليه على سلعه أو على نفسه لعيشه ( ثلاث سنين ) أو أكثر [ ص: 33 ] فرشد في أثنائها فتلزم الإجارة ، ولا خيار له حيث بقي من المدة الثلاث سنين فدون ; لأن الولي فعل ما يجوز له ، فإن عقد عليه لا لعيشه فله الفسخ ; لأن الولي لا تسلط له على نفسه بل على ماله وحينئذ فلو آجر السفيه نفسه فلا كلام لوليه ما لم يحاب ، وكذا لا كلام له إن رشد ; لأنه في نفسه كالرشيد .

التالي السابق


( قوله : وبرشد إلخ ) أي فإذا استأجرت صغيرا من وليه للخدمة ثلاث سنين أو استأجرت داره كذلك فبلغ رشيدا في أثناء المدة فلا يلزمه باقي المدة بل يخير في إتمامها ، وفي فسخها فإن بلغ سفيها فلا خيار له ، ومحل خياره إذا بلغ رشيدا إن عقد الولي وهو يظن بلوغه في مدة الإجارة أو لم يظن شيئا فإن ظن عدم بلوغه وبلغ فإن كان قد بقي بعد بلوغه من مدة الإجارة كالشهر ويسير الأيام فلا خيار له ، ولزمه إتمامها ، وإن كان الباقي كثيرا خير ( قوله : عقد عليه ) أي سواء كان العقد عليه لعيشه أو لغير عيشه كما هو الصواب ، ولا وجه لترددعبق ، كذا قرر شيخنا العدوي ( قوله : وقد صرح إلخ ) فذكر فيه أن المدونة ، وإن اقتصرت على البلوغ في العقد على نفسه ، ولم تذكر الرشد لكن قيد عيسى بن عمر المسألة بأن يبلغ رشيدا قال عياض ، ولا يختلف في ذلك . ا هـ . وإذا علمت ذلك تعلم أن ما في عبق من اعتبار البلوغ فقط في العقد على نفسه ، وأنه إذا بلغ ، ولو سفيها خير في الفسخ عن نفسه وعدمه واعتبار الرشد في العقد على سلعة غير مسلم والصواب إبقاء المصنف على ظاهره ( قوله : ظاهره أنه ) أي قوله : وقد بقي كالشهر وقوله : راجع للمسألتين أي إجارة الصغير ، وإجارة سلعه .

( قوله : والمذهب أنه خاص بالأولى ) أي ; لأن إجارة سلعه تلزمه إن بلغ رشيدا إذا كان وليه ظن عدم بلوغه في مدة الإجارة ولو بقي من الإجارة ثلاث سنين كما في عبق أو أكثر كما في شب وقوله : والمذهب أنه خاص بالأولى أي كما هو نص المدونة وقد نقل المواق وغيره أن المختص بالأولى عند ابن القاسم هو قوله : وبقي كالشهر خلافا لأشهب وبالجملة فلا درك على المصنف إلا في قوله وبقي كالشهر فإن ظاهره يرجع للمسألتين ، وهو قول أشهب والمعتمد قول ابن القاسم أنه في الأولى فقط ا هـ بن ، ومحصله أن محل الخيار في المسألتين إذا عقد عليه الولي ، وهو يظن بلوغه في مدة الإجارة أو لم يظن شيئا بقي كثير أو قليل ، وأما إذا عقد عليه ، وهو يظن عدم بلوغه في مدة الإجارة ففي المسألة الأولى إن بلغ والباقي من مدة الإجارة شهر ونحوه لزم الإتمام ، وإلا خير ، وكذا الحال في المسألة الثانية عند أشهب ، وأما ابن القاسم فيقول فيها إن عقد عليه ظانا عدم بلوغه لزم الإتمام ، ولو بلغ والباقي من المدة كثير .

( قوله : والحاصل إلخ ) حاصله أن الصور المتعلقة بالعقد على نفسه ست ; لأنه إما أن يظن الولي بلوغه في المدة أو يظن عدم بلوغه أو لم يظن شيئا ، وفي كل من الثلاثة إما أن يبقى من مدة الإجارة بعد بلوغه رشيدا كثير أو يسير كالشهر ويسير الأيام فلا خيار له في صورة ، وهي ما إذا ظن عدم البلوغ فيها وبلغ وقد بقي من المدة يسير ويخير في الباقي ، وهي ما إذا بقي كثير مطلقا ظن بلوغه في مدة الإجارة أو ظن عدمه أو لم يظن شيئا وكذا إذا بقي يسير ، والحال أنه ظن بلوغه فيها أو لم يظن شيئا وقوله : والحاصل إلى قوله فإن زاد كالشهر حل لمنطوق كلام المصنف وقول الشارح فإن ظن عدمه فيها حل لمفهومه ( قوله : ولا يعتبر في العقد على سلعه ) أي على سلع السفيه ظن رشد ، ولا عدمه أي في مدة الإجارة وكان الأولى حذف هذا من هنا وذكره بعد كلام المصنف الآتي ; لأنه ليس الكلام هنا في العقد على سلع السفيه بل على سلع الصغير ، غاية الأمر أنه بلغ في أثناء المدة سفيها ( قوله : مطلقا ) أي [ ص: 33 ] بقي بعد البلوغ من مدة الإجارة اليسير أو الكثير فالإطلاق راجع للحالتين قبله .

وحاصل ما ذكره أن صور العقد على سلعه ثمانية ; لأنه إما أن يبلغ سفيها أو رشيدا وقد ظن الولي عدم بلوغه في مدة الإجارة فلا خيار له في هاتين الحالتين بقي بعد رشده من مدة الإجارة قليل أو كثير فهذه أربعة ، وإن بلغ رشيدا وقد ظن بلوغه في مدة الإجارة أو لم يظن شيئا فله الخيار كان الباقي من مدة الإجارة كثيرا أو قليلا فهذه أربعة أيضا .

( قوله : فرشد في أثنائها ) أي ، ولو في أول يوم منها ( قوله : فتلزم الإجارة ، ولا خيار له ) أي ، ولا يعتبر في السفيه ظن عدم رشده ، ولا ظن رشده حال العقد على سلعه أو على نفسه لعيشه بخلاف الصغير فإنه يعتبر فيه ظن البلوغ وعدمه كما مر ( قوله : حيث بقي من المدة الثلاث سنين فدون ) أي فإن كان الباقي أكثر خير ( قوله : وكذا لا كلام له ) أي للسفيه حيث آجر نفسه ثم رشد ( قوله : لأنه في نفسه كالرشيد ) أي لأن تصرفه في نفسه لا حجر عليه فيه كتصرف الرشيد .




الخدمات العلمية