الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن عيسى بن ماهان ، ثنا [ ص: 68 ] سعيد بن العباس ، ثنا أبي قال : سمعت حاتما الأصم يقول : سمعت شقيقا البلخي يقول : " المؤمن مشغول بخصلتين ، والمنافق مشغول بخصلتين ، المؤمن بالعبر والتفكر ، والمنافق مشغول بالحرص والأمل " .

              وقال : سمعت شقيقا البلخي ، يقول : " على قلب ابن آدم أربعة حجب ، إذا أيسر لم يفرح ، وإن افتقر لم يحزن وكان في الأمرين سواء ، فقد هتك سترين ، فعند هذا لا يستقر الخير والحكمة في قلبه حتى يكون فيه خصلتان : يترك فضول الشيء ، وفضول الكلام ، فإذا كان كذلك دخل قلبه الحكمة ونطق بها لسانه " .

              قال : وسمعت شقيقا ، يقول : " أربعة أشياء قد سترت على العباد أمر الآخرة : خوف الفقر ستر خوف جهنم ، وأي شيء يقول لي الناس ستر عنه أي شيء يقول لي الرب إذا فعلت هذا ، وستر حب الحياة الدنيا حب الآخرة ، وستر حب نعمة الحياة الدنيا وغرورها وشهواتها وظاهرها ما ترى من حسنها عن نعيم الآخرة ، وما أعد له فيها " .

              حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا ، قال : قال أبو تراب : سمعت حاتما الأصم يقول : قال شقيق : " إذا ظهر الفساد في البر والبحر لا يكون شيء أغرب من هذه الأربعة : التزويج للغلبة ، والبيت للعدة ، والضيافة بالسنة ، والجهاد بلا طمع ولا رياء ، قال : تفسير التزويج للغلبة : رجل يخاف أن يقع في الحرام فيتزوج ، وتفسير البيت للعدة : أن تبني بيتا يمنعك من الحر والبرد ولا تضرب وتدا على البيت حتى تنظر قبل الضرب فيكون لله تعالى رضى ، كذلك جميع الأشياء ما كان لله رضى فتقدم عليه وإلا فاحذره ، وتفسير الضيافة بالسنة : لا تدخل بيتك رجلا يستحي من الحلال ويحتشم منه ، فيكون في بيتك خبز مكسور فاستحييت من الرجل أن تقدمه إليه ، وقد جاء في الأثر من لا يستحي من الحلال خفت مؤنته وقل كبرياؤه ، ومن يستحي من الحلال فهو متكبر " .

              حدثنا محمد بن الحسين بن موسى قال : سمعت سعيد بن أحمد البلخي [ ص: 69 ] يقول : سمعت أبي يقول : سمعت محمد بن عبد يقول : سمعت محمد بن الليث يقول : سمعت حامدا يقول : سمعت حاتما يقول : سمعت شقيقا يقول : " من خرج من النعمة ووقع في القلة ، فلا تكون القلة أعظم عنده من النعمة فهو في غمين ، غم في الدنيا وغم في الآخرة ، ومن خرج من النعمة ووقع في القلة ، وكانت القلة أعظم عنده من النعمة التي خرج منها كان في فرحين ، فرح الدنيا وفرح الآخرة " .

              حدثنا محمد بن أحمد بن محمد ، ثنا العباس بن أحمد الشاشي ، ثنا أبو عقيل الرصافي ، ثنا أحمد بن عبد الله الزاهد قال : قال شقيق البلخي لأهل مجلسه : " أرأيتم إن أماتكم الله اليوم يطالبكم بصلاة غد ، قالوا : لا ، يوم لا نعيش فيه كيف يطالبنا بصلاته ؟ قال شقيق : فكما لا يطالبكم بصلاة غد فأنتم لا تطلبوا منه رزق غد ، عسى أن لا تصيروا إلى غد " .

              قال : وسمعت شقيقا يقول : " الدخول في العمل بالعلم ، والثبات فيه بالصبر ، والتسليم إليه بالإخلاص ، فمن لم يدخل فيه بعلم فهو جاهل " .

              حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن عيسى بن ماهان ، ثنا سعيد بن العباس ، ثنا أبي قال : سمعت حاتما الأصم يقول : سمعت شقيقا البلخي يقول : " لكل شيء حسن ، وحسن الطاعة أربعة أشياء : إذا رأى العبد نفسه في طاعة فليقل لنفسه : هذه طيبة من الله وهو الذي من بها علي ، وإذا علم ذلك كسر العجب ويكون قلبه معلقا بالثواب ، فإذا علق قلبه بالثواب كثر الرياء ; لأنه عمل ليثاب عليه ، فإذا وسوس له الشيطان يقول : إنما أعمله لثواب أنتظره من الله عز وجل ، فعند ذلك يغلب الشيطان بإذن الله ، فإذا عمله وهو يريد الثواب من الله تعالى فقد كسر الطمع من الناس والمحمدة والثناء ، وتفسير الطمع نسيان الرب ، فإذا نسي الله طمع في الخلق ، فهو في وقته ذلك عاقل إلا أن يكون رجلا يتلقى الأشياء من ربه ، وأراد بمسألته أن يؤجر الآخرة " .

              وقال : " انظر إذا أصبحت فلا يكون همك في طلب رضى الخلق وسخطهم ، ولا يكونن خوفك إلا ما قدمت من الذنوب حتى لا تجترئ أن تزيد على غيره ولا يكونن استعدادك إلا للموت ، فإذا كان استعدادك [ ص: 70 ] للموت لو جعلت لك الدنيا بتريعها لم ترغب فيها " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية