الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا محمد بن يحيى ، ثنا الحسين بن منصور ، ثنا علي الطنافسي ، ثنا أبو سهل الحسن قال : كنت جالسا عند يوسف بن أسباط فقال : اكتبوا إلى حذيفة ، أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله ، والعمل بما علمك الله ، والمراقبة حيث لا يراك أحد إلا الله ، والاستعداد لما لا حيلة لأحد في دفعه ، ولا ينتفع بالندم عند نزوله ، فاحسر عن رأسك قناع الغافلين ، وانتبه من رقدة الموتى ، وشمر الساق ، فإن الدنيا ممر السابقين ، فلا تكن ممن قد أظهر الشك ، وتشاغل بالوصف وترك العمل بالموصوف له ، فإن لنا ولك من الله مقاما يسألنا فيه عن الرمق الخفي ، وعن الخليل الجافي ، ولست آمن أن يكون ، فيما يسألني ويسألك عنه وساوس الصدور ، ولحاظ الأعين ، وإصغاء الأسماع وما يصخر مثل عن صفة مثله ، اعلم أن مما يوصف به منافقو هذه الأمة أنهم خالطوا أهل الدين بأبدانهم ، وفارقوهم بأهوائهم ، وخففوا مما سعوا من الحق ولم ينتهوا عن خبيث فعالهم ، إذ ذهبوا إليه فنازعوا في ظاهر أعمال البر بالمحامل والرياء ، وتركوا باطن أعمال البر مع السلامة والتقى ، كثرت أعمالهم بلا تصحيح ، فأحرمهم الله الثمن الربيح ، واعلم يا أخي أنه لا يجزينا من العمل القول ، ولا من الفعل الصفة ، ولا من البذل العدة ، ولا من التوقي التلاوم ، وقد صرنا في زمان هذه صفة أهله ، فمن يكن كذلك فقد تعرض للمهالك ، احذر القراء المصغين ، والعلماء المتحرين ، حيوا بطرق وصدوا الناس عن سبيل الهوى ، وفقنا الله وإياك لما يحب والسلام .

              حدثنا أبو يعلى الحسين بن محمد ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا عبد الله بن خبيق ، قال : قال لي حذيفة المرعشي : كتب إلي يوسف بن أسباط فذكر مثله . وقال : خضعوا لما طغوا من مالهم ، وسكتوا عما سعوا من باطلهم ، وفرحوا بما رأوا من زينتهم ، وداهن بعضهم بعضا في القول والفعل .

              [ ص: 242 ] حدثنا الحسين بن محمد ، ثنا محمد بن المسيب ، ثنا عبد الله بن خبيق ، ثنا ابن أبي الدرداء ، قال : قال لي حذيفة المرعشي : كتب إلي يوسف بن أسباط : أما بعد فقد استقبلنا من هذه السنة أمورا كثيرة ، الآية الواحدة منها تعمي وتصم ، وقد صرنا بين ظهراني قوم قد صيروا المعروف منكرا ، والمنكر معروفا ، وقد يستقام بهم ذلك جاريا ، فإن كان بينهم بصير أعموه ، عميت الأبصار وصمت الآذان ، ولن ينجو في دهرنا هذا إلا ما شاء الله .

              حدثنا الحسين بن محمد ، ثنا محمد بن المسيب ، ثنا طاهر ، سمعت يوسف بن أسباط يقول : لأن تقطع يدي ورجلي أحب إلي من أن آكل من ذا المال شيئا - يعني عطية الأمراء - .

              حدثنا الحسين ، ثنا محمد ، ثنا محمد بن المسيب ، ثنا طاهر ، سمعت يوسف بن أسباط يقول : بلغني أن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم عليه السلام : تدري لم اتخذتك خليلا ؟ لأنك تعطي الناس ولا تأخذ من أحد شيئا .

              حدثنا محمد بن إبراهيم ، ثنا عبد الله بن جابر الطرسوسي ، ثنا عبد الله بن خبيق ، ثنا يوسف بن أسباط ، سمعت سفيان يقول : لم يفقه من لم يعد البلاء نعمة ، والرخاء مصيبة .

              حدثنا أبي وأبو محمد بن حيان قالا : ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسين ، ثنا عبد الله بن خبيق ، قال : قال يوسف بن أسباط : إذا رأيت الرجل قد حدثنا فلا تعظه ، فليس للموعظة فيه موضع .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا محمد بن يحيى ، حدثني إبراهيم بن السري ، حدثني محبوب بن موسى ، قال : سمعت يوسف بن أسباط ، يقول لشعيب بن حرب : أشعرت أن طلب الحلال فريضة ، والصلاة في الجماعة سنة .

              حدثنا الحسين بن محمد ، ثنا محمد بن المسيب ، ثنا عبد الله بن خبيق ، قال : قال لي موسى بن طريف ، قال لي يوسف بن أسباط : إن أقرضك رجل وعابه ، وإن استقرض لك فضحك .

              حدثنا الحسين ، ثنا محمد ، ثنا ابن خبيق قال : قال أبو جعفر الحذاء : كتبت [ ص: 243 ] إلى يوسف بن أسباط أشاوره في التحويل إلى الحجاز ، فكتب إلي : أما ما ذكرت من تحويلك إلى الحجاز فليكن همك خيرك ، وما أرى موضعك إلا أضبط للخير من غيره ، وما أحب أحدا يفر من شيء إلا وقع في أشد منه ، وإنما يطيب الموضع بأهله ، وقد ذهب من يؤنس به ويستراح إليه وإن علم الله منك الصدق رجوت أن يصنع الله لك ، وإن كان الصدق قد رفع من الأرض .

              حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ، سمعت عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق ، سمعت المثنى بن جامع - وهو من الثقات - سمعت أبا جعفر الحذاء ، سألت شعيب بن حرب عن يوسف بن أسباط ، فقال شعيب : ما أقدم عليه أحدا من هذه الأمة ، البر عشرة أجزاء ، تسعة منها في طلب الحلال ، وسائر البر في جزء واحد ، وقد أخذ يوسف التسعة وشارك الناس في العاشر .

              حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن إسحاق ، سمعت المؤمل بن الشماخ المصيصي يقول : سمعت يوسف بن أسباط يقول : إني لأهم بقراءة السورة فإن كان ليس يعمل بما فيها لم تزل السورة تلعنه من أولها إلى آخرها ، وما أحب أن يلعنني القرآن .

              حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا محمد بن يحيى بن منده ، ثنا أبو عمران الطرسوسي ، سمعت أبا يوسف المتبولي يقول : كتب حذيفة إلى يوسف - أو يوسف إلى حذيفة - : أما بعد فإن من قرأ القرآن ثم آثر الدنيا فهو ممن اتخذ آيات الله هزوا ، ومن كان طلب الفضائل أهم إليه من ترك الذنوب فهو مخدوع وقد حبب أن يكون خيرا عاليا أصبر علينا من ذنوبنا .

              حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا محمد بن يحيى ، ثنا الحسين بن منصور ، ثنا علي بن محمد الطنافسي ، ثنا سهل أبو الحسن ، سمعت يوسف بن أسباط ، يقول : يجزي قليل الورع عن كثير العمل ، ويجزي قليل التواضع عن كثير الاجتهاد .

              حدثنا أبي ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا عبد الله بن خبيق قال : كنت عند يوسف بن أسباط إذ جاء الأمير وعليه قلنسوة شاشية فسأله عن [ ص: 244 ] مسألة فقال : إن أستاذي سفيان كان لا يفتي من على رأسه مثل هذا ، قال : فوضعه على الأرض فأفتاه .

              حدثنا أبي ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا عبد الله بن خبيق ، حدثني موسى بن طريف قال : كنت بمكة مع شعيب بن حرب فنعي إليه يوسف بن أسباط ، فقال : يا موسى ، فمن أراد أن يكذب فليكذب ، ما بقي أحد يستحى منه بعد يوسف .

              حدثنا أبي ، ثنا إبراهيم ، ثنا عبد الله ، حدثني موسى بن طريف ، سمعت يوسف بن أسباط يقول : لي أربعون سنة ما حاك في صدري شيء إلا تركته .

              حدثنا أبي ، ثنا إبراهيم ، ثنا الحارث ، ثنا عبد الله بن خبيق قال : قال بشار : قال لي يوسف بن أسباط : تعلموا صحة العمل من سقمه ، فإني تعلمته في اثنين وعشرين سنة .

              حدثنا أبي ، ثنا إبراهيم ، ثنا عبد الله بن خبيق ، قال يوسف : خرجت من سنح راجلا حتى أتيت المصيصة وجرابي على عنقي ، فقام ذا من حانوته يسلم علي ، وذا يسلم علي ، فطرحت جرابي ودخلت المسجد أصلي ركعتين ، فأحدقوا بي ، فطلع رجل في وجهي فقلت في نفسي : كم يقابلني على هذا ، فرجعت أخذت جرابي ورجعت بعرقي وعناني إلى سنح ، فما رجع إلي قلبي إلى سنين .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية