الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني ، ثنا أحمد بن محمد بن حمدان النيسابوري ، ثنا إسماعيل بن عبد الله الشامي ، قال : قال سري السقطي : " ثلاث من أخلاق الأبرار : القيام بالفرائض ، واجتناب المحارم ، وترك الغفلة ، وثلاث من أخلاق الأبرار يبلغن بالعبد رضوان الله : كثرة الاستغفار ، وخفض الجناح ، وكثرة الصدقات ، وثلاث من أبواب سخط الله : اللعب ، والمزاح ، والغيبة ، والعاشر من هذه الثلاث عمود الدين وذروته وسنامه ، حسن الظن بالله " .

              أخبرني محمد بن عبد الله الرازي - في كتابه - وحدثني عنه عبد الواحد بن بكر ، قال : سمعت أبا عمر الأنماطي ، يقول : سمعت أحمد بن عمر الخلقاني ، يقول : خرج معي سري السقطي يوم العيد من المسجد ، فلقي رجلا جليلا ، [ ص: 124 ] فسلم عليه سلاما ناقصا ، فقلت له : إن هذا فلان ، قال : قد عرفته ، قلت : فلم نقصته في السلام ؟ قال : لأنه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إذا التقى المسلمان قسمت بينهما مائة رحمة تسعون لأبشهما " ، فأردت أن يكون معه الأكثر .

              أخبرنا جعفر بن محمد - في كتابه - وحدثني عنه محمد بن إبراهيم ، قال : سمعت الجنيد ، يقول : ما أرى لي على أحد فضلا ، قيل : ولا على المخنثين ؟ قال : ولا على المخنثين ، قال : وسمعت السري ، يقول : " إذا فاتني جزء من وردي لا يمكنني أن أقضيه أبدا " .

              حدثني محمد بن الحسين بن موسى ، قال : سمعت الفضل بن حمدان ، يقول : سمعت علي بن عبد الحميد الغضائري ، يقول : سمعت السري ، يقول : من لم يعرف قدر النعم سلبها من حيث لا يعلم ، ومن هانت عليه المصائب أحرز ثوابها .

              قال : وسمعته يقول : اجعل فقرك إلى الله تستغن به عمن سواه .

              قال : وسمعته يقول : الأدب ترجمان العقل ، ولسانك ترجمان قلبك ، ووجهك مرآة قلبك ، يتبين على الوجه ما تضمر القلوب .

              وقال : القلوب ثلاثة : قلب مثل الجبل لا يزيله شيء ، وقلب مثل النخلة أصلها ثابت والريح تميلها ، وقلب كالريشة يميل مع الريح يمينا وشمالا . وقال : أقوى القوة غلبتك نفسك ، ومن عجز عن أدب نفسه كان من أدب غيره أعجز ، ومن أطاع من فوقه أطاعه من دونه . وقال : لا تصرم أخاك على ارتياب ، ولا تدعه دون استعتاب ، ومن علامة المعرفة بالله القيام بحقوق الله وإيثاره على النفس فيما أمكنت فيه القدرة ، ومن علامة الاستدراج العمى عن عيوب النفس ، ومن قلة الصدق كثرة الخطأ . وخير الرزق ما سلم من خمسة : من الآثام في الاكتساب ، والمذلة في الخضوع في السؤال ، والغش في الصناعة ، وإثبات آلة المعاصي ، ومعاملة الظلمة . وأحسن الأشياء خمسة : البكاء على الذنوب ، وإصلاح العيوب ، وطاعة علام الغيوب ، وجلاء الرين عن القلوب ، وألا تكون لما تهوى ركوبا ، وقال : خمسة أشياء لا يسكن في القلب معها غيرها : الخوف من الله وحده ، والرجاء [ ص: 125 ] من الله وحده ، والحب لله وحده ، والحياء من الله وحده ، والأنس بالله وحده .

              أخبرنا جعفر بن محمد - في كتابه - وحدثني عنه محمد بن إبراهيم ، قال : سمعت الجنيد ، يقول : سمعت السري ، يقول : " إذا ابتدأ الإنسان ثم كتب الحديث فتر ، وإذا ابتدأ بكتبه الحديث ثم تنسك نفذ ، وقال السري : لن يحمد رجل حتى يؤثر دينه على شهوته ، ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه ، قال : وسمعت الجنيد بن محمد ، يقول : كنت أعود السري في كل ثلاثة أيام عيادة السنة ، فدخلت عليه وهو يجود بنفسه ، فجلست عند رأسه ، فبكيت وسقط من دموعي على خده ، ففتح عينيه ونظر إلي ، فقلت له : أوصني ، فقال : لا تصحب الأشرار ، ولا تشتغل عن الله بمجالسة الأخيار " .

              أخبرنا جعفر - في كتابه - وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني ، قال : قال : سمعت الجنيد بن محمد ، يقول : سمعت السري ، يقول : " من عرف السبب انقطع عن الطلب " .

              أخبرنا جعفر - في كتابه - وحدثني عنه محمد بن إبراهيم ، قال : حدثني الجنيد ، قال : سمعت السري ، يقول - وقد ذكر له أهل الحقائق من العباد - فقال : " أكلهم أكل المرضى ، ونومهم نوم الغرقى " .

              أخبرنا جعفر - في كتابه - وحدثني عنه محمد ، حدثني الجنيد ، قال : سمعت السري ، يقول : " خفيت علي علة ثلاثين سنة ، وذلك أنا كنا جماعة نبكر إلى الجمعة ، ولنا أماكن قد عرفت بنا لا نكاد أن نخلو عنها ، فمات رجل من جيراننا يوم جمعة ، فأحببت أن أشيع جنازته ، فشيعتها وأضحيت عن وقتي ، ثم جئت أريد الجمعة ، فلما أن قربت من المسجد قالت لي نفسي : الآن يرونك وقد أضحيت وتخلفت عن وقتك ، فشق ذلك علي ، فقلت لنفسي : أراك مرائية منذ ثلاثين سنة وأنا لا أدري ، فتركت ذلك المكان الذي كنت آتيه ، فجعلت أصلي في أماكن مختلفة ؛ لئلا يعرف مكاني هذا أو نحوه ، قال : وسمعت السري ، وكان يعجب بهذا ، ويقول :


              ما في النهار ولا في الليل لي فرح فما أبالي أطال الليل أم قصرا

              " .

              سمعت أبي يقول : سمعت أبا عبد الله المقرئ بالكوفة - يقول : قال [ ص: 126 ] السري بن المغلس : قال رجل لديراني : ما بالكم تعجبكم الخضرة ؟ فقال : " إن القلوب إذا غاصت في بحار الفكرة غشيت الأبصار ، فإذا نظرت إلى الخضرة عاد إليها نسيم الحياة " .

              حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم ، قال : سمعت أبا بكر بن الباقلاني ، يقول : سمعت أبي ، يقول : سمعت السري ، يقول : " لا يقوى على ترك الشهوات إلا من ترك الشبهات " .

              أخبرنا جعفر بن محمد - في كتابه - وحدثني عنه محمد بن إبراهيم ، قال : سمعت الجنيد بن محمد ، يقول : سمعت السري ، يقول : " إني إذا نزلت أريد صلاة الجماعة أذكر مجيء الناس إلي ، فأقول : اللهم هب لهم عبادة يجدون لذتها تشغلهم بها عني ، قال : وسمعت السري ، وقد ذكر الناس ، قال : لا تعمل لهم شيئا ، ولا تترك لهم شيئا ، ولا تكشف لهم عن شيء ، يريد بهذا القول أن تكون أعمالك كلها لله - عز وجل - قال : وسمعته يقول : كل من ذكرني بسوء فهو في حل إلا رجلا تعمدني بشيء هو يعلم مني خلافه " .

              قال : وحدثني الجنيد ، قال : سمعت الحسن البزاز ، يقول : " كان أحمد بن حنبل هاهنا ، وكان بشر بن الحارث هاهنا ، وكنا نرجو أن يحفظنا الله بهما ، ثم إنهما ماتا وبقي السري ، وإني أرجو أن يحفظنا الله بالسري " قال : وسمعت أبا علي الحسن البزاز ، يقول : سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن السري بعد قدومه من الثغر ، فقال أبو عبد الله : أليس الشيخ الذي يعرف بطيب الغذاء ؟ قلت : بلى ، قال : هو على سيره عندنا قبل أن يخرج ، وقد كان السري يعرف بطيب الغذاء وتصفية القوت ، وشدة الورع ، حتى انتشر ذلك عنه ، وبلغ ذلك أبا عبد الله أحمد بن حنبل ، فقال : الشيخ الذي يعرف بطيب الغذاء .

              قال : وحدثني الجنيد ، قال : كان السري يقول لنا ونحن حوله : " أنا لكم عبرة ، يا معشر الشباب ، اعملوا فإنما العمل في الشبوبية ، وكان إذا جن عليه الليل دافع أوله ، ثم دافع ، ثم دافع ، فإذا غلبه الأمر أخذ في النحيب والبكاء " قال : وسمعت السري ، يقول : من الناس ناس لو مات نصف أحدهم ما انزجر النصف الآخر ، ولا أحسبني إلا منهم . وسمعت [ ص: 127 ] السري ، وذكر له شيء من الحديث ، فقال : ليس من زاد القبر .

              أسند وسمع من الأعلام ، والمشاهير ، وامتنع من التحديث ، ولم يخرج له كثير حديث ، روى عن هشيم ، وسفيان بن عيينة ، ومروان بن معاوية ، ومحمد بن فضيل بن غزوان في آخرين .

              حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد المفيد ، ثنا أبو عبد الله محمد بن عبيد - تلميذ بشر بن الحارث - ثنا السري بن مغلس السقطي ، ثنا هشيم ، ثنا عبد الله بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يمينك على ما يصدقك به صاحبك " .

              حدثنا محمد بن علي بن سهل ، ثنا محمد بن الفضل بن جابر ، ثنا السري بن مغلس ، وداود بن عمرو ، قالا : ثنا مروان بن معاوية ، عن عبد الواحد بن أيمن المكي ، عن عبيد بن رفاعة ، عن أبيه ، قال : لما كان يوم أحد وانكفأ الكفار والمشركون ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " استووا حتى أثني على ربي " ، فقال : " اللهم لك الحمد كله ، لا قابض لما بسطت ، ولا باسط لما قبضت " ، وذكر الدعاء ، وحدثت عن الحسن بن علي بن شهريار : قال : حدثني السري بن المغلس ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن مجالد ، عن الشعبي : " أن فاطمة بنت قيس قدمت على أخيها الضحاك بن قيس " فذكر حديث الجساسة .

              وحدثت عن الحسن بن علي ، ثنا السري بن مغلس ، ثنا ابن فضيل ، عن مختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولوا : هذا الله خلق الخلق فمن خلقه " ؟

              وحدثت عن الحسن بن علي ، ثنا السري بن مغلس ، ثنا عبد الله بن ميمون ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : " خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قابض على شيئين ، فقال : " هذا كتاب من الله " وذكر الحديث ، قال الشيخ : إيراد ذكر من أخلصهم الله تعالى بخالص ذكره ، وأمدهم بمواد بره ، فأطلعهم على مكنون سره ، يكثر ويطول ، لأن للحق تبارك وتعالى في كل قرن وعصر سباقا مشمرين للسباق لما أسمعهم من لذيذ خطابه إذ [ ص: 128 ] يقول تعالى : ( فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا ) وقد تقدم في استيعاب أسامي بعضهم : أبو سعد أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي - في كتابه المترجم " بطبقات النساك " - فكفى من بعده ممن يعتني بذكرهم وتسميتهم ، وسئلت إيراد تسمية بعضهم بأساميهم مجردا من ذكر أحوالهم وأقوالهم ، مقتصرا عليه ، فاستعنت بالله سبحانه وتعالى ، ذاكرا أسامي بعضهم ؛ ليجمع كتابي ذكرهم ، وهو خير المعين ، وبه الحول والقوة .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية