الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              561 - عمرو النيسابوري

              ومنهم أبو حفص عمرو بن سلمة النيسابوري ، وقيل عمر . كان أحد المتحققين له الفتوة الكاملة والمروءة الشاملة تخرج به عامة الأعلام النيسابوريين ، منهم أبو عثمان النيسابوري ، وشاه الكرماني ، صحب عبيد الله الأباوردي ، وكان من رفقاء أحمد بن خضرويه المروزي ، توفي سنة سبع ، وقيل : أربع وستين ومائتين .

              سمعت أبا عمرو بن حمدان يقول : سمعت أبي يقول : قال أبو حفص : المعاصي بريد الكفر كما أن الحمى بريد الموت ، قال : وكان لا يذكر الله إلا على الحضور وتعظيم الحرمة ، فإذا ذكر الله عز وجل تغير عليه حاله فإذا رجع قال : ما أبعد ذكرنا عن ذكر المحققين ، فما أظن أن من ذكر الله عز وجل حاضرا من غير غفلة يبقى بعد ذكره حيا إلا الأنبياء ، فإنهم مؤيدون [ ص: 230 ] بقوة النبوة ، وخواص الأولياء مؤيدون بقوة الولاية .

              سمعت أبا بكر بن حمدان يقول : كان أبو حفص حدادا فكان غلامه يوما ينفخ عليه الكير ، فأدخل يده في النار وأخرج الحديد من النار فغشي على غلامه ، وترك أبو حفص الحانوت وأقبل على أمره .

              سمعت أبا عمرو بن حمدان يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبا حفص يقول : تركت العمل فرجعت إليه وتركني العمل فلم أرجع إليه .

              سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبا علي الثقفي يقول : كان أبو حفص يقول : من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ، ولم يتهم خواطره ، فلا تعده في ديوان الرجال ، وكان يقول : من نعت الفقير الصادق أن يكون في كل وقت بحكمه ، فإذا ورد عليه وارد يشغله عن حكم وقته يستوحش منه وينفيه .

              سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول : سمعت عبد الرحمن بن الحسين يقول : اجتمع مشايخ بغداد عند أبي حفص وسألوه عن الفتوة ، فقال : تكلموا أنتم فإن لكم العبارة واللسان ، فقال الجنيد : الفتوة إسقاط الرؤية وترك النسبة ، فقال أبو حفص : ما أحسن ما قلت ، ولكن الفتوة عندي أداء الإنصاف وترك مطالبة الإنصاف ، فقال الجنيد : قوموا يا أصحابنا فقد زاد أبو حفص على آدم وذريته ، قال : وكان أبو حفص يقول : من إهانة الدنيا أني لا أبخل بها على أحد ولا أبخل بها على نفسي ; لاحتقارها واحتقار نفسي عندي .

              سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت أبا أحمد بن عيسى يقول : سمعت أبا حفص يقول : الكرم طرح الدنيا لمن يحتاج إليها ، والإقبال على الله لاحتياجك إليه .

              وقال أبو حفص الحداد : حسن أدب الظاهر عنوان حسن أدب الباطن ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه " . وسئل أبو حفص : من الرجال ؟ فقال : القائمون مع الله بوفاء العهود ، قال الله تعالى : ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) . وسئل أبو حفص عن العبودية ، فقال : ترك ما لك والتزام ما أمرت به .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية