الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا عبد الله بن جعفر ، ثنا يونس بن حبيب ، ثنا أبو داود ، وحدثنا أبو بكر بن خلاد ، ثنا الحارث بن أبي أسامة ، ثنا أبو النضر ، قالا : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم ، عن ضمرة بن حبيب ، عن شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله عز وجل " .

              هذا حديث مشهور بابن المبارك ، عن أبي بكر بن أبي مريم مثله ، ورواه عنه المتقدمون ، ورواه عمرو بن بشر بن السرح ، عن أبي بكر بن أبي مريم مثله ، ورواه ثور بن يزيد ، وغالب ، عن مكحول ، عن ابن غنم ، عن شداد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا مكحول [ ص: 268 ] البيروتي ، ثنا إبراهيم بن بكر بن عمرو ، قال : سمعت أبي يحدث ، عن ثور وغالب بإسناده .

              حدثنا أبو عمرو بن حمدان ، ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه ، ثنا إسحاق بن راهويه ، ثنا سفيان بن عيينة ، قال : سمعت الزهري ، يقول للناس يوما : اجلسوا أحدثكم -وما سمعته قط قبل يومئذ يقول لهم اجلسوا- أخبرني محمود بن الربيع ، عن شداد بن أوس أنه قال ، لما حضرته الوفاة : إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية .

              رواه صالح بن كيسان مثله ، ورواه عبد الله بن بديل ، عن الزهري ، عن عباد بن تميم ، عن عمه عبد الله بن زيد ، ورواه خالد بن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن نسي ، عن شداد .

              حدثناه أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا أبو شعيب الحراني ، ثنا جدي ، ثنا موسى بن أعين ، عن بكر بن خنيس ، عن عطاء بن عجلان ، عن خالد بن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن نسي ، قال : مر بي شداد بن أوس فأخذ بيدي فانطلق بي إلى منزله ، ثم جلس يبكي حتى بكيت لبكائه ، فلما سري عنه ، قال : ما يبكيك ؟ قلت : رأيتك تبكي فبكيت ، قال : إني ذكرت حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية " قال : فقلت : أما إحداهما فلا سبيل إليها ، قال : هكذا قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لي قال : " إنما أتخوفهما " ، ثم قال : " أما إنهم لم يعبدوا شمسا ولا قمرا ، ولم ينصبوا أوثانا ولكنهم يعملون أعمالا لغير الله عز وجل " .

              رواه جماعة ، عن عبد الواحد بن زيد ، عن عبادة بن نسي .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد بن موسى السامي البصري ، ثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا عبد الواحد بن زيد ، ثنا عبادة بن نسي ، قال : دخلت على شداد بن أوس وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك يا أبا عبد الرحمن ؟ فقال : لحديث سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره : " إن من أخوف ما أخاف على أمتي الشرك بالله ، والشهوة الخفية : يصبح الرجل صائما فيرى الشيء يشتهيه فيواقعه ، والشرك : قوم لا يعبدون حجرا ولا وثنا ولكن يعملون عملا يراءون " .

              رواه عبد الرحمن بن غنم ، عن شداد .

              حدثناه أبو [ ص: 269 ] عمرو بن حمدان ، ثنا الحسن بن سفيان ، ثنا جبارة بن مغلس ، ثنا عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، أنه سمع عبد الرحمن بن غنم ، يقول : لما دخلنا مسجد الجابية أنا وأبو الدرداء ، لقينا عبادة بن الصامت ، قال : فبينا نحن كذلك إذ طلع علينا شداد بن أوس وعوف بن مالك فجلسا إلينا ، فقال شداد : إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرك والشهوة الخفية ، فقال عبادة وأبو الدرداء : اللهم غفرا ، أولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدثنا : " أن الشيطان قد أيس أن يعبد في جزيرة العرب " ؟ أما الشهوة الخفية فقد عرفناها وهي شهوات الدنيا من نسائها وشهواتها ، فما هذا الشرك الذي تخوفنا به يا شداد ؟ قال شداد : أريتكم لو رأيتم رجلا يصلي لرجل أو يصوم لرجل أو يتصدق لرجل أترون أنه قد أشرك ؟ قالا : نعم ! والله إنه من تصدق لرجل أو صام لرجل أو صلى لرجل فقد أشرك ، قال عوف بن مالك عند ذلك : أفلا يعمد الله عز وجل إلى ما يبتغى به وجهه من ذلك العمل فيتقبل منه ما خلص ويدع ما أشرك به ، فقال شداد : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يقول الله تعالى : أنا خير قسيم لمن أشرك بي ، من أشرك بي شيئا فإن جسده وعمله وقليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به ، أنا عنه غني " .

              رواه ليث بن أبي سليم ، عن شهر بن حوشب نحوه . ورواه رجاء بن حيوة ، عن محمود بن الربيع نحوه .

              حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا الليث بن سعد ، عن ابن عجلان ، عن رجاء بن حيوة ، عن محمود بن الربيع ، عن شداد بن أوس : أنه خرج معه يوما إلى السوق ثم انصرف فاضطجع وتسجى بثوبه ثم بكى ، فأكثر ما قال : أنا الغريب لا يبعد الإسلام ، فلما ذهب ذلك عنه قلت له : لقد صنعت اليوم شيئا ما رأيتك تصنعه ، قال : أخاف عليكم الشرك والشهوة الخفية ، قلت له : أبعد الإسلام تخاف علينا الشرك ؟ قال : [ ص: 270 ] ثكلتك أمك يا محمود ، أوما من شرك إلا أن تجعل مع الله إلها آخر ؟ !

              رواه أبو خالد الأحمر ، عن ابن عجلان .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية