الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أبي ، ثنا إسحاق بن إبراهيم ، ثنا محمد بن سهل ، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، ثنا عبد الصمد بن معقل بن منبه ، أنه سمع وهب بن منبه يقول : البلاء للمؤمن كالشكال للدابة .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا محمد بن يحيى ، ثنا بلال الأشعري ، ثنا أبو هشام الصنعاني ، ثنا عبد الصمد ، عن وهب بن منبه قال : من أصيب بشيء من البلاء فقد سلك به طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .

              حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا عبد الرزاق ، أخبرنا منذر ، قال : سمعت وهبا يقول : قرأت في كتاب رجل من الحواريين : إذا سلك بك طريق البلاء - أو قال :طريق أهل البلاء - فطب نفسا ، فقد سلك بك طريق الأنبياء والصالحين . وإذا سلك بك طريق الرخاء فقد أخذ بك طريق غير طريق الأنبياء والصالحين عليهم الصلاة والسلام .

              حدثنا أحمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، ثنا إبراهيم بن خالد ، ثنا أمية بن شبيل ، عن عثمان بن بزدويه ، قال : كنت مع وهب بن منبه وسعيد بن جبير يوم عرفة تحت نخيل ابن عامر ، فقال وهب لسعيد : يا أبا عبد الله ، كم لك منذ خفت من الحجاج ؟ قال : خرجت عن امرأتي وهي حامل [ ص: 57 ] فجاءني الذي في بطنها وقد خرج وجهه ، فقال له وهب : إن من كان قبلكم كان إذا أصاب أحدهم بلاء عده رخاء ، وإذا أصابه رخاء عده بلاء .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا محمد بن الحسين بن أنس ، ثنا منذر ، عن وهب : أن سائحا وردنا له - تبيعه - فمر بأسد وهو رابض على الطريق يلتمس الفريسة ، فجعل الردن يحذر السائح يقول : الأسد الأسد . وجعل السائح لا يلتفت إليه ، حتى مر بالأسد فقام الأسد فتنحى عن الطريق ، فلما جاوزه قال له الردن : ألم أكن أحذرك الأسد ؟ قال السائح : أوظننت أني أخاف شيئا دون الله ، لأن تختلف الأسنة في أحب إلي من أن يعلم أني أخاف شيئا دونه .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا محمد بن الحسن ، ثنا منذر ، عن وهب ، أن سائحا وردنا له كان يأتيهما طعامهما في كل ثلاثة أيام مرة ، فإذا هما لم يأتهما طعام إلا لأحدهما ، فقال الكبير لردنه : لقد أحدث أحدنا حدثا منع به رزقه ، فتذكر ما صنعت ؟ قال الردن : ما صنعت شيئا . ثم تذكر الردن فقال : بلى ، قد جاء مسكين سائل إلى الباب فأجفت الباب في وجهه . فقال الكبير : من ثم أتينا ، فاستغفرا الله تعالى . فجاءهما رزقهما بعد كما كان يأتيهما .

              حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، قال : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني الليث بن خالد البلخي ، قال ، ثنا محمد بن ثابت العبدي ، ثنا سيار أبو الحكم ، سمعت وهب بن منبه يقول : قرأت في بعض الكتب : ليس من عبادي من سحر أو سحر له ، أو تكهن أو تكهن له ، أو تطير أو تطير له . فمن كان كذلك فليدع غيري فإنما هو أنا وخلقي كلهم لي .

              حدثنا أحمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا إبراهيم بن خالد ، ثنا رباح ، عن جعفر بن محمد ، عن التيمي ، عن وهب بن منبه ، أنه قال : دخول الجمل في سم الخياط أيسر من دخول الأغنياء الجنة .

              [ ص: 58 ] حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني سفيان بن وكيع ، قال : ثنا أبو بكر بن عياش ، عن ابن وهب بن منبه ، عن أبيه قال : مكتوب في التوراة : إن من الكبر أن يدعو الرجل أخاه فلا يجيبه ، ويقسم عليه بحياته فلا يبره ، ويأتيه بالطعام فيقول : ليس بالطيب ، ومن حمد الله على طعام فقد أدى شكره .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : ثنا بكار ، قال : سمعت وهب بن منبه يقول : ترك المكافأة من التطفيف .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا حجاج ، وأبو النضر ، قالا : ثنا محمد بن طلحة ، عن محمد بن جحادة ، عن وهب بن منبه قال : من يتعبد يزدد قوة ، ومن يكسل يزدد فترة .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، حدثني عبد الصمد ، أنه سمع وهب بن منبه يقول : تصدق صدقة من يرى أن ما قدم بين يديه ماله ، وأن ما خلف مال غيره . قال : وسمعت وهبا وخطب الناس على المنبر فقال : احفظوا مني ثلاثا : إياكم وهوى متبعا ، وقرين سوء ، وإعجاب المرء بنفسه .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : ثنا يونس بن عبد الصمد بن معقل ، قال : ثنا إبراهيم بن الحجاج ، قال : سمعت وهبا يقول : ليس من بني آدم أحد أحب إلى شيطانه من النؤوم الأكول .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : ثنا غوث بن جابر ، قال : ثنا عمران بن عبد الرحمن أبو الهذيل ، أنه سمع وهبا يقول : إن الله يحفظ بالعبد الصالح القبيل من الناس .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : ثنا إبراهيم بن عقيل بن معقل ، قال : ثنا عمران أبو الهذيل - من الأبناء - عن وهب بن منبه ، قال : ليس من الآدميين أحد إلا ومعه شيطان موكل [ ص: 59 ] به ، أما الكافر فيأكل معه من طعامه ويشرب من شرابه وينام معه على فراشه ، وأما المؤمن فهو مجانب له ينتظر متى يصيب منه غفلة أو غرة فيثب عليه . وأحب الآدميين إلى الشيطان الأكول النؤوم .

              حدثنا أحمد بن جعفر ، قال : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : ثنا إبراهيم بن عقيل بن معقل ، قال : حدثني أبي ، عن وهب بن منبه ، قال : إن الله تعالى أعطى موسى عليه السلام نورا ، فقال له هارون : هبه لي يا أخي ، فوهبه له ، ثم أعطاه هارون ابنيه . فكان في بيت المقدس آنية تعظمها الأنبياء والملوك من بعدهم ، فكانا يسقيان في تلك الآنية الخمر ، فنزلت نار من السماء فاختطفت ابني هارون فصعدت بهما ، ففزع هارون لذلك فقام متشعثا متوجها بوجهه إلى السماء بالدعاء والتضرع ، فأوحى الله تعالى إلى هارون : هكذا أفعل بمن عصاني من أهل طاعتي ، فكيف أفعل بمن عصاني من أهل معصيتي .

              حدثنا أحمد بن جعفر ، قال : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : ثنا أحمد بن محمد بن أيوب ، قال : ثنا أبو بكر بن عياش ، عن إدريس بن وهب بن منبه ، قال : حدثني أبي ، قال : كان لسليمان بن داود عليه السلام ألف بيت أعلاه قوارير وأسفله حديد ، فركب الريح يوما فمر بحراث يحرث ، فنظر إليه الحراث فقال : لقد أوتي آل داود ملكا عظيما . فحملت الريح كلامه فألقته في أذن سليمان عليه السلام ، قال : فنزل حتى أتى الحراث وقال : إني سمعت قولك وإنما مشيت إليك لئلا تمنى ما لا تقدر عليه ، لتسبيحة واحدة يقبلها الله تعالى منك خير مما أوتي آل داود . فقال الحراث : أذهب الله همك كما أذهبت همي .

              حدثنا عمر بن أحمد بن شاهين ، قال : ثنا أحمد بن محمد بن زياد ، قال : ثنا محمد بن غالب ، قال : ثنا أبو المعتمر ابن أخي بشر بن منصور ، عن داود بن أبي هند ، عن وهب بن منبه ، قال : قرأت في بعض الكتب التي أنزلت من السماء : إن الله تعالى قال لإبراهيم عليه السلام : أتدري لم اتخذتك خليلا ؟ قال : لا يا رب ، قال : لذل مقامك بين يدي في الصلاة .

              [ ص: 60 ] حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : ثنا أبو الطيب الشعراني ، قال : ثنا الحسن بن الحكم ، قال : ثنا يزيد بن أبي حكيم ، قال : ثنا الحكم بن أبان ، قال : نزل بي ضيف من أهل صنعاء فقال : سمعت وهب بن منبه يقول : إن لله تعالى في السماء السابعة دارا يقال لها : البيضاء ، تجتمع فيها أرواح المؤمنين ، فإذا مات الميت من أهل الدنيا تلقته الأرواح فيسائلونه عن أخبار الدنيا كما يسأل الغائب أهله إذا قدم عليهم .

              حدثنا حبيب بن الحسن ، قال : ثنا أبو شعيب الحراني ، قال : ثنا جدي أحمد بن أبي شعيب ، قال : ثنا القشيري ، عن محمد بن زياد ، عن وهب بن منبه ، قال : من جعل شهوته تحت قدمه فزع الشيطان من ظله ، ومن غلب حلمه هواه فذاك العالم الغلاب .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : ثنا غوث بن جابر ، قال : سمعت أبا الهذيل ، قال : سمعت وهب بن منبه يقول : قال الله لموسى عليه السلام ، بعزتي يا ابن عمران ، لو أن هذه النفس التي وكزت فقتلت اعترفت لي ساعة من ليل أو نهار بأني لها خالق أو رازق لأذقتك فيها طعم العذاب ، ولكني عفوت عنك أمرها أنها لم تعترف لي ساعة من ليل أو نهار أني لها خالق أو رازق .

              حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : ثنا إسماعيل بن يزيد القطان ، قال : ثنا إبراهيم بن الأشعث ، قال : قال فضيل بن عياض : قال وهب بن منبه : أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه : بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي ، وما يكابد المكابدون في طلب مرضاتي ، فكيف بهم إذا صاروا إلى داري ، وتبحبحوا في رياض رحمتي ، هنالك فليبشر المصفون لله أعماله بالنظر العجيب من الحبيب القريب ، أتراني أنسى لهم عملا ؟ فكيف وأنا ذو الفضل العظيم ، أجود على المولين عني ، فكيف بالمقبلين علي ؟! وما غضبت على شيء كغضبي على من أخطأ خطيئة فاستعظمها في جنب عفوي ، لو تعجلت بالعقوبة أحدا [ ص: 61 ] وكانت العجلة من شأني لعجلت القانطين من رحمتي ، ولو رآني خيار المؤمنين كيف أستوهبهم ممن اعتدوا عليه ، ثم أحكم لمن وهبهم بالخلد المقيم ؛ ما اتهموا فضلي وكرمي . فكيف وأنا الديان الذي لا تحل معصيتي ، وأنا الديان الذي أطاع برحمتي ، ولا حاجة لي بهوان من خاف مقامي ، ولو رآني عبادي يوم القيامة كيف أرفع قصورا تحار فيها الأبصار فيسألوني لمن ذا ؟ فأقول : لمن رهب مني ولم يجمع على نفسه معصيتي والقنوط من رحمتي ، وإني مكافئ على المدح فامدحوني .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية