الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : البهتان في اللغة الكذب الذي يواجه الإنسان به صاحبه على جهة المكابرة ، وأصله من بهت الرجل إذا تحير ، فالبهتان كذب يحير الإنسان لعظمته ، ثم جعل كل باطل يتحير من بطلانه " بهتانا " ، ومنه الحديث : " إذا واجهت أخاك بما ليس فيه فقد بهته " .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : في أنه لم انتصب قوله : ( بهتانا ) ؟ وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال الزجاج : البهتان ههنا مصدر وضع موضع الحال ، والمعنى : أتأخذونه مباهتين وآثمين .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : قال صاحب الكشاف : يحتمل أنه انتصب لأنه مفعول له وإن لم يكن غرضا في الحقيقة ، كقولك : قعد عن القتال جبنا .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : انتصب بنزع الخافض ، أي ببهتان .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : فيه إضمار تقديره : تصيبون به بهتانا وإثما .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : في تسمية هذا الأخذ " بهتانا " وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه تعالى فرض لها ذلك المهر فمن استرده كان كأنه يقول : ليس ذلك بفرض فيكون بهتانا .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أنه عند العقد تكفل بتسليم ذلك المهر إليها ، وأن لا يأخذه منها ، فإذا أخذه صار ذلك القول الأول بهتانا .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أنا ذكرنا أنه كان من دأبهم أنهم إذا أرادوا تطليق الزوجة رموها بفاحشة حتى تخاف وتشتري نفسها منه بذلك المهر ، فلما كان هذا الأمر واقعا على هذا الوجه في الأغلب الأكثر ، جعل كأن أحدهما هو الآخر .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : أنه تعالى ذكر في الآية السابقة : ( ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) والظاهر من حال المسلم أنه لا يخالف أمر الله ، فإذا أخذ منها شيئا أشعر ذلك بأنها قد أتت بفاحشة مبينة ، فإذا لم يكن الأمر كذلك في الحقيقة صح وصف ذلك الأخذ بأنه بهتان ، من حيث إنه يدل على إتيانها بالفاحشة مع أن الأمر ليس كذلك . وفيه تقرير آخر وهو أن أخذ المال طعن في ذاتها وأخذ لمالها ، فهو بهتان من وجه وظلم من وجه آخر ، فكان ذلك معصية عظيمة من أمهات الكبائر .

                                                                                                                                                                                                                                            الخامس : أن عقاب البهتان والإثم المبين كان معلوما عندهم فقوله : ( أتأخذونه بهتانا ) معناه أتأخذون عقاب البهتان فهو كقوله : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ) [ النساء : 10 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : قوله : ( أتأخذونه ) استفهام على معنى الإنكار والإعظام ، والمعنى أن الظاهر أنكم لا تفعلون مثل هذا الفعل مع ظهور قبحه في الشرع والعقل .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية