الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : الإكراه إنما يحصل متى حصل التخويف بما يقتضي تلف النفس ، فأما باليسير من الخوف فلا تصير مكرهة ، فحال الإكراه على الزنا كحال الإكراه على كلمة الكفر والنص وإن كان مختصا بالإماء إلا أن حال الحرائر كذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : العرب تقول للمملوك فتى وللمملوكة فتاة ، قال تعالى : ( فلما جاوزا قال لفتاه ) [ الكهف : 62 ] وقال : ( تراود فتاها ) [ يوسف : 30 ] وقال : ( فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) [ النساء : 25 ] وفي الحديث " ليقل أحدكم فتاي وفتاتي ولا يقل عبدي وأمتي " .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : البغاء الزنا يقال بغت تبغي بغاء فهي بغي .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة : الذي نقول به أن المعلق بكلمة " إن " على الشيء عدم عند عدم ذلك الشيء ، والدليل عليه اتفاق أهل اللغة على أن كلمة " إن " للشرط ، واتفاقهم على أن الشرط ما ينتفي الحكم عند انتفائه ، ومجموع هاتين المقدمتين النقليتين ، يوجب الحكم بأن المعلق بكلمة " إن " على الشيء عدم عند عدم ذلك الشيء ، واحتج المخالف بهذه الآية فقال : إنه سبحانه علق المنع من الإكراه على البغاء على إرادة التحصن بكلمة " إن " ، فلو كان الأمر كما ذكرتموه لزم أن لا ينتفي المنع من الإكراه على الزنا إذا لم توجد إرادة التحصن ، وذلك باطل ، فإنه سواء وجدت إرادة التحصن أو لم توجد فإن المنع من الإكراه على الزنا حاصل .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : لا نزاع أن ظاهر الآية يقتضي جواز الإكراه على الزنا عند عدم إرادة التحصن ، ولكنه فسد ذلك لامتناعه في نفسه ، لأنه متى لم توجد إرادة التحصن في حقها لم تكن كارهة للزنا ، وحال كونها غير كارهة للزنا يمتنع إكراهها على الزنا ، فامتنع ذلك لامتناعه في نفسه وذاته ، ومن الناس من ذكر فيه جوابا آخر وهو أن غالب الحال أن الإكراه لا يحصل إلا عند إرادة التحصن .

                                                                                                                                                                                                                                            والكلام الوارد على سبيل الغالب لا يكون له مفهوم الخطاب ، كما أن الخلع يجوز في غير حالة الشقاق ولكن لما كان الغالب وقوع الخلع في حالة الشقاق لا جرم لم يكن لقوله تعالى : ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) [ البقرة : 229 ] مفهوم ومن هذا القبيل قوله : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين ) [ ص: 193 ] ( كفروا ) [النساء : 101] والقصر لا يختص بحال الخوف ولكنه سبحانه أجراه على سبيل الغالب ، فكذا ههنا .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب الثالث : معناه إذا أردن تحصنا لأن القصة التي وردت الآية فيها كانت كذلك على ما روينا أن جارية عبد الله بن أبي أسلمت وامتنعت عليه طلبا للعفاف ، فأكرهها فنزلت الآية موافقة لذلك ، نظيره قوله تعالى : ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا ) [البقرة : 23] أي وإذا كنتم في ريب .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السادسة : أنه تعالى لما منع من إكراههن على الزنا ففيه ما يدل على أن لهم إكراههن على النكاح ، فليس لها أن تمتنع على السيد إذا زوجها ، بل له أن يكرهها على ذلك ، وهذه الدلالة دلالة دليل الخطاب .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله ( إن أردن تحصنا ) أي تعففا ( لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ) يعني كسبهن وأولادهن .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : ( ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) فاعلم أنه ليس في الآية [بيان] أنه تعالى غفور رحيم للمكره أو للمكرهة لا جرم ذكروا فيه وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : فإن الله غفور رحيم بهن ، لأن الإكراه أزال الإثم والعقوبة ، لأن الإكراه عذر للمكرهة ، أما المكره فلا عذر له فيما فعل .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : المراد فإن الله غفور رحيم بالمكره بشرط التوبة ، وهذا ضعيف لأن على التفسير الأول لا حاجة إلى هذا الإضمار ، وعلى التفسير الثاني يحتاج إليه .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية