الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين )

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين ) إشارة إلى تسلية قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - ببيان أن غيره من الأنبياء عليهم السلام كان مثله ، واختار إبراهيم لكونه شيخ المرسلين وكون النبي - عليه الصلاة والسلام - على سنته في بعض الأشياء ، وإنذارا لقومه بما جرى من الضيف ، ومن إنزال الحجارة على المذنبين المضلين ، وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : إذا كان المراد ما ذكرت من التسلية والإنذار فأي فائدة في حكاية الضيافة ؟ نقول ليكون ذلك إشارة إلى الفرج في حق الأنبياء ، والبلاء على الجهلة والأغبياء ، إذا جاءهم من حيث لا يحتسب .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 181 ] قال الله تعالى : ( فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ) [ الحشر : 2 ] فلم يكن عند إبراهيم عليه السلام خبر من إنزال العذاب مع ارتفاع مكانته .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : كيف سماهم ضيفا ولم يكونوا ؟ نقول لما حسبهم إبراهيم عليه السلام ضيفا لم يكذبه الله تعالى في حسابه إكراما له ، يقال في كلمات المحققين : الصادق يكون ما يقول ، والصديق يقول ما يكون .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : " ضيف " لفظ واحد والمكرمين جمع ، فكيف وصف الواحد بالجمع ؟ نقول الضيف يقع على القوم ، يقال قوم ضيف ولأنه مصدر فيكون كلفظ الرزق مصدرا ، وإنما وصفهم بالمكرمين إما لكونهم عبادا مكرمين كما قال تعالى : ( بل عباد مكرمون ) [ الأنبياء : 26 ] وإما لإكرام إبراهيم عليه السلام إياهم ، فإن قيل : بماذا أكرمهم ؟ قلنا ببشاشة الوجه أولا ، وبالإجلاس في أحسن المواضع وألطفها ، ثانيا وتعجيل القرى ثالثا ، وبعد التكليف للضيف بالأكل والجلوس . وكانوا عدة من الملائكة في قول : ثلاثة جبريل وميكائيل وثالث ، وفي قول عشرة ، وفي آخر اثنا عشرة .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : هم أرسلوا للعذاب بدليل قولهم : ( إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ) [ الذاريات : 32 ] وهم لم يكونوا من قوم إبراهيم عليه السلام ، وإنما كانوا من قوم لوط فما الحكمة في مجيئهم إلى إبراهيم عليه السلام ؟ نقول فيه حكمة بالغة ، وبيانها من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أن إبراهيم عليه السلام شيخ المرسلين وكان لوط من قومه ومن إكرام الملك للذي في عهدته وتحت طاعته إذا كان يرسل رسولا إلى غيره يقول له اعبر على فلان الملك وأخبره برسالتك وخذ فيها رأيه .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيهما : هو أن الله تعالى لما قدر أن يهلك قوما كثيرا وجما غفيرا ، وكان ذلك مما يحزن إبراهيم عليه السلام شفقة منه على عباده قال لهم بشروه بغلام يخرج من صلبه أضعاف ما يهلك ، ويكون من صلبه خروج الأنبياء عليهم السلام .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية