الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويجب على القارن دم لأنه روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم ، ولأنه إذا وجب على المتمتع ، لأنه جمع بين النسكين في وقت أحدهما فلأن يجب على القارن وقد جمع بينهما في الإحرام أولى ، وإن لم يجد الهدي فعليه صوم التمتع ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع على ما بيناه ) .

                                      [ ص: 193 ]

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال الشافعي والأصحاب : يلزم القارن دم بلا خلاف ، لما ذكره المصنف فإن لم يجد الهدي فعليه صوم التمتع كما سبق تفصيله وتفريعه وهذا الدم شاة كدم التمتع كما سبق . هكذا ذكره الشافعي والأصحاب في جميع الطرق إلا الحناطي والرافعي فحكيا قولا قديما أنه بدنة ، وهو مذهب الشافعي . وقال طاوس وحكاه العبدري عن الحسن بن علي وابن سريج وهو مذهب داود وابنه أبي بكر محمد بن داود : لا دم عليه ، وبالشاة قال مالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء ، قال العبدري : هو قول العلماء كافة سوى من ذكرنا . وقال الشافعي في المختصر : القارن أخف حالا من المتمتع ، قال أصحابنا : يحتمل أنه أراد بهذا الرد على الشعبي لأن القارن أحرم بالنسكين . من الميقات بخلاف المتمتع فإذا كفى المتمتع شاة فالقارن أولى ، قالوا : ويحتمل أنه رد على طاوس لأن القارن أقل فعلا من المتمتع ، فإذا لزم المتمتع الدم ، فالقارن أولى ، وهذان التأويلان مشهوران ذكرهما القاضي أبو الطيب في كتابيه ، والماوردي والمحاملي وابن الصباغ وسائر شراح المختصر ، قال الماوردي : التأويل الأول هو نصه في القديم والثاني هو نصه في الجديد .



                                      [ ص: 193 ] فرع ) قال الشافعي في المختصر : فإن مات المتمتع قبل أن يصوم تصدق عما فاته صومه عن كل يوم بمد من حنطة ، هذا نصه ، وقال في الأم إذا أحرم المتمتع بالحج لزمه الهدي ، فإن لم يجد فعليه الصيام ، فإن مات من ساعته ففيه قولان : ( أحدهما ) يهدى عنه ، ( والثاني ) لا هدي ولا طعام . هذا نصه في الأم ، قال أصحابنا في شرح هذه المسألة : إذا مات المتمتع بعد فراغه من الحج - وهو واجد للهدي ، ولم يكن أخرجه وجب إخراجه من تركته بلا خلاف كسائر الديون المستقرة ، وإن مات في أثناء الحج فقولان مشهوران : ( أصحهما ) لا يسقط الدم ; لأنه وجب بالإحرام بالحج فلا يسقط ، فيجب إخراجه من تركته ، كما لو مات وعليه دم الوطء في الإحرام أو دم اللباس وغيره ، ( والثاني ) يسقط لأنه إنما يجب بالتمتع لتحصيل الحج ، ولم يحصل الحج بتمامه . هكذا أطلق الجمهور صورة القولين فيما إذا مات قبل فراغ الحج وهو موسر ، وذكرهما الماوردي فيمن مات قبل فراغ أركان الحج إشارة إلى أنه لو مات بعد فراغ الأركان ، وقد بقي الرمي والمبيت لزم الدم قولا واحدا ، وهذا هو الصواب ، وكلام الأصحاب محمول عليه ، لأن الحج قد حصل . هذا كله فيمن مات وهو واجد الهدي ، فإن مات معسرا فقد مات وفرضه الصوم قال أصحابنا : فإن مات قبل تمكنه منه فقولان : ( أصحهما ) يسقط لعدم التمكن كصوم رمضان ، ( والثاني ) يهدى عنه ، قال أصحابنا : وهذا القول يتصور فيما إذا لم يجد الهدي في موضعه ، وله في بلده مال أو وجده بأكثر من ثمن مثله ، فأما إذا لم يكن له مال أصلا ولم يتمكن من الصوم ، فيسقط عنه قطعا ، وإن تمكن من الصوم فلم يصم حتى مات ، فهل هو كصوم رمضان ؟ فيه طريقان : ( أصحهما ) نعم فيصوم عنه وليه على القول القديم ، وفي الجديد يطعم عنهن من تركته لكل يوم مد ، فإن كان تمكن من الأيام العشرة وجب عشرة أمداد ، وإلا فبالقسط ، وهل يتعين صرفه إلى فقراء الحرم ومساكينه ؟ فيه قولان حكاهما الماوردي وآخرون [ ص: 194 ] أحدهما ) يتعينون ، فإن فرقت على غيرهم لم يجز ; لأنه مال وجب بالإحرام فتعين لأهل الحرم كالدم ، ( وأصحهما ) لا يتعينون ، بل يستحب صرفه إليهم فإن صرف إلى غيرهم جاز ، لأن هذا الإطعام بدل عن الصوم الذي لا يختص بالحرم فكذا بدله .

                                      ( والطريق الثاني ) لا يكون كصوم رمضان ، فعلى هذا فيه قولان : ( أصحهما ) الرجوع إلى الدم لأنه أقرب إلى هذا الصوم من الأمداد ، فيجب في ثلاثة أيام إلى العشرة شاة ، وفي يوم ثلث شاة ، وفي يومين ثلثاها ، وأشار أبو إسحاق المروزي إلى أن اليوم واليومين كإتلاف المحرم شعرة أو شعرتين وفي الشعرة ثلاثة أقوال مشهورة : ( أحدها ) مد ، ( والثاني ) درهم ، ( والثالث ) ثلث شاة ، وغلط أصحابنا أبا إسحاق في هذا ، ونقل تغليطه عن الأصحاب صاحب الشامل وغيرهم ، ( والقول الثاني ) لا يجب شيء أصلا ، وأما المتمكن المذكور فصوم الثلاثة يتمكن منه بأن يحرم بالحج في زمن يسع صومها قبل الفراغ . ولا يكون عارض من مرض وغيره وذكره إمام الحرمين أنه لا يجب شيء في تركته ما لم ينته إلى الوطن ; لأن دوام السفر كدوام المرض ولا يزيد تأكيد الثلاثة على صوم رمضان . وهذا الذي قاله ضعيف ، لأن صوم الثلاثة يجب إيقاعه في الحج . بالنص ، وإن كان مسافرا فليس السفر عذرا فيه بخلاف رمضان ( وأما ) السبعة ، ( فإن قلنا ) : الرجوع إلى ، الوطن فلا يمكن قبله ، ( وإن قلنا ) : الفراغ من الحج فلا يمكن قبله ثم دوام السفر عذر ، هكذا قاله الإمام ، وقال القاضي حسين : إذا استحببنا التأخير إلى وصوله الوطن تفريعا على قول الفراغ فهل يهدى عنه إذا مات ؟ فيه وجهان .



                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في متمتع لم يجد الهدي فانتقل إلى الصوم قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يجوز أن يصوم إلا بعد إحرامه بالحج ، وبه قال مالك وروي عن ابن عمر وعائشة وإسحاق وابن المنذر ( وقال ) [ ص: 195 ] أبو حنيفة يجوز في حال العمرة وعن أحمد روايتان كالمذهبين . دليلنا ما ذكره المصنف .



                                      ( فرع ) لو فاته صوم الأيام الثلاثة في الحج لزمه قضاؤها ولا دم عليه هذا مذهبنا المشهور وبه قال مالك . وقال أبو حنيفة : عليه دمان أحدهما للتمتع والثاني لتأخير الصوم . وعن أحمد ثلاث روايات : ( أصحها ) كأبي حنيفة ، ( والثانية ) دم واحد ، ( والثالثة ) يفرق بين المعذور وغيره . دليلنا أنه صوم واجب مؤقت ، فإذا فات وجب قضاه كرمضان لا غير ، ( وأما ) صوم السبعة فقد ذكرنا أن الصحيح عندنا أنه يصومها إذا رجع إلى أهله وبه قال ابن عمر وعطاء ومجاهد وقتادة وابن المنذر ، ( والثاني ) يصومها إذا تحلل من حجه . وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحمد والله أعلم .

                                      قال ابن المنذر : وأجمعوا على أن من وجد الهدي لا يحرم عليه الصوم ، والله أعلم . .




                                      الخدمات العلمية