الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5895 ) فصل : فإن قال لزوجته : طلقي نفسك . ونوى عددا ، فهو على ما نوى . وإن أطلق من غير نية ، لم يملك إلا واحدة ; لأن الأمر المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم . وكذلك الحكم لو وكل أجنبيا ، فقال : طلق زوجتي . فالحكم على ما ذكرناه . قال أحمد : إذا قال لامرأته : طلقي نفسك . ونوى ثلاثا فطلقت نفسها ثلاثا ، فهي ثلاث ، وإن كان نوى واحدة ، فهي واحدة ; وذلك لأن الطلاق يكون واحدة وثلاثا ، فأيهما نواه فقد نوى بلفظه ما احتمله ، وإن لم ينو تناول اليقين ، وهو الواحدة . فإن طلقت نفسها ، أو طلقها الوكيل في المجلس ، أو بعده ، وقع الطلاق ; لأنه توكيل . وقال القاضي : إذا قال لها : طلقي نفسك ، تقيد بالمجلس ; لأنه تفويض للطلاق إليها ، فتقيد بالمجلس ، كقوله : اختاري .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه توكيل في الطلاق ، فكان على التراخي ، كتوكيل الأجنبي ، وكقوله : أمرك بيدك . وفارق : اختاري . فإنه تخيير . وما ذكره ينتقض بقوله : أمرك بيدك . ولها أن توقع الطلاق بلفظ الصريح ، وبالكناية مع النية . وقال بعض أصحاب الشافعي : ليس لها أن توقعه بالكناية ; لأنه فوضه إليها بلفظ الصريح ، فلا يصح أن توقع غير ما فوض إليها . ولنا ، أنه فوض إليها الطلاق ، وقد أوقعته ، فوقع ، كما لو أوقعته بلفظ الصريح . وما ذكره غير صحيح ; فإن التوكيل في شيء لا يقتضي أن يكون إيقاعه بلفظ الأمر من جهته ، كما لو قال لوكيله : بع داري . جاز له بيعها بلفظ التمليك . وإن قال لها : طلقي ثلاثا فطلقت واحدة ، وقع . نص عليه . وقال مالك : لا يقع شيء ; لأنها لم تمتثل أمره .

                                                                                                                                            ولنا ، أنها ملكت إيقاع ثلاث ، فملكت إيقاع واحدة ، كالموكل ، ولأنه لو قال : وهبتك هؤلاء العبيد الثلاثة . [ ص: 316 ] فقالت : قبلت واحدا منهم . صح . كذا هاهنا . وإن قال : طلقي واحدة . فطلقت ثلاثا ، وقعت واحدة . نص عليه أيضا . وبه قال مالك ، والشافعي . وقال أبو حنيفة : لا يقع شيء ; لأنها لم تأت بما يصلح قبولا ، فلم يصح ، كما لو قال : بعتك نصف هذا العبد . فقال : قبلت البيعة في جميعه . ولنا ، أنها وقعت طلاقا مأذونا فيه ، وغيره ، فوقع المأذون فيه دون غيره ، كما لو قال : طلقي نفسك . فطلقت نفسها وضرائرها . فإن قال : طلقي نفسك . فقالت : أنا طالق إن قدم زيد . لم يصح ; لأن إذنه انصرف إلى المنجز ، فلم يتناول المعلق على شرط . وحكم توكيل الأجنبي في الطلاق ، كحكمها فيما ما ذكرناه كله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية